د. طالب محمد كريم
هي العبارة التي استعرتها من فيلسوف العلم الشهير بول فيرابند، والذي تعلم الكثير من كارل بوبر صاحب المقولة الشهيرة ( التفاؤل واجب).
التي اوحت لنا ان الاشكالية التي نسجلها في ضوء القراءات الكثيرة والتي تعمل على تعزيز الذاكرة وامدادها بجمل جاهزة، هي تعطيل الفاعلية التواصلية التي تربك المتحدث والكاتب، عند تحليل البنية، للعبارات المشحونة بافكار اغلبها ممزوجة بحدٍ واضح من الموقف السايكولوجي .
وهذا ما يكشف لنا ضعف الكاتب حين يحاول الاجابة عن تساؤلات مطروحة، او اعطاء موقف ما، يُعزز بادوات منهجية، تُخلّص الكاتب من التدوين الخيالي او الرمزي او الاسطوري فضلاً عن الاسلوب الخرافي الذي يستهويه البعض.
نخلص الى ان الاصل هو في تنظيم التفكير وفق منهج ما، او مناهج متعددة لوضع المتلقي امام تشخيص حالة ما، قد تمثل هذه الحالة، مشكلة اجرائية او نظرية، كأن تكون في الاخلاق و السياسة و الدين و المجتمع والاجتماع او في الانسان نفسه الذي يمثل بحد ذاته قيمة عليا في عالمنا هذا.
كيف لنا ان نتخلص من الشحن السيكولوجي واطلاق الاحكام القبْلية في تفسير النصوص بطريقة عكسية لمقاصد النص ؟
اعتقد إنه سؤال مركزي في حياتنا الاجتماعية ، اذ بدأت تظهر وتتسع قاعدتها اكثر مع زيادة انتشار الذكاء الاصطناعي واللوح الالكتروني. بمعنى ان العلاقة ما بينهما اصبحت علاقة طردية، وهذا مما يضاعف القلق عندنا وفق تقدم العلوم وموقع الانسان على الخارطة التكنولوجية.
هذا يعني ان المناخ السيكولوجي والنظام الاجتماعي الذي يتمثل بمجموعة لوازم ادبية واخلاقية، هي مفقودة في تعاملاتنا وعلاقتنا الافتراضية، والدليل على هذا، هو زيادة نفرة الناس وارتفاع حدة المزاج الحاد، من جانب والاثار السيئة التي خلفها العالم الافتراضي والكتابة الالكترونية على الصحة النفسية للافراد من جانب اخر.
نعم يكون هناك عامل اخر قد زاد من استفحال المشكلة وهو الدمج الاجتماعي الفئوي، الذي يفرض على المساهمين او المشتركين في منصة افتراضية ما، ادماج وظيفي، اي ان الجميع هم اعضاء ( صناعة الجماعات الافتراضية )بمراتب متساوية امام الاستحقاقات المعرفية والقيمية والتاريخية والعمر الافتراضي الذي يأتي مع التراكم الحاصل من الخبرات والتجارب الشخصية للافراد او الجماعات.
وهذا ينذر بخطر شديد يهدد الكيانات المؤسسة للقطاعات الاجتماعية، من خلال ضرب المركزيات وفقدان لوائح الضوابط تحت عبارة ( دع كل شيء يمر) بحسب بول فيرابند.
تتوفر في الحياة الاجتماعية التي صنعها الانسان طرق كثيرة ومتنوعة، ولكل طريق ،ممرّ، ولغة تفاهم. فالاشارات الضوئية والدلالات المرورية تمثل لغة يفهمها اهل العجلات والسيارات والمركبات، والشيء نفسه مع طرق وممرات البحر والفضاء، ومن لا يجيد هذه اللغة ،لا يمكن له الاستمرار بالعيش او استدامة البقاء.
وللطب والفيزياء والرياضيات والفلك لغات وللغات لغة، وللابكم والاصم لغة، لها ضوابطها وايقاعها. وللنباتات عالم وللحيوان عالم ولغة. كل شيء في هذا العالم له نظام ولغة.
قد نتجاهل هذه الانظمة ونعجز عن كشفها، فندعي على انها فوضى، لنبرر امام الاخرين فشلنا، لاننا لا زلنا قاصرين عن الوصول الى القوانين التي تتحرك من خلالها هذه العوالم ( عدم الدقة والتأكد ل هاينزنبرغ).
مرة اخرى نلخص مما خلصا اليه، ان تاريخ الفكر البشري استطاع ان يحافظ على وجود الانسان في مواجهة التحديات الطبيعية والبيئية والبشرية ( العلاقات البينية )، لكن هذا الخلاص لم يكن محض الصدفة او التوافقات بين فعل الانسان وطبيعة الحياة. بل انها حصلت من خلال الخبرات العالية التي انوجدت عند الانتلجنسيا الاجتماعية فضلاً عن البحوث النظرية التي تهدف الى حل المشكلات والتي تهدد بنية الدولة والمجتمع والعلاقات الاسرية والضوابط الاخلاقية للافراد.
الواقع الذي نشعره ونحسه، بحاجة الى هذا التصنيف الفاعل والعامل المنتج للوازم المدنية وتجليات الحضارة. فلا يمكن ادماج هذا التصنيف مع الاخريات التي تقف قبالها ، لاننا سنفقد اللحظة التي تجسد شروق الشمس وغروبها.