حسين فوزي
التفجير الإرهابي الذي ضرب مواطنين سلميين في شارع الاستقلال بمنطقة تقسيم في اسطنبول يبين أن القوى الإرهابية العالمية متخوفة من الموقف التركي من الصراع الشرقي الغربي الدائر، ذلك أن تركيا تحاول توظيف مكانتها وعلاقاتها من أجل تحقيق مصالح تركيا أولاً، والسعي لتخفيف غلواء أوربا في الانصياع لأميركا سواء في إدارة الصراع في أوكرانيا لاستنزاف روسيا أو كيفية التعامل مع تصاعد الدور الصيني العالمي.
وأولاً أظن أن منفذة العملية لا يمكن أن تكون منتسبة لحزب سياسي، بقدر ما هي حاقدة شأن كل القوى الإرهابية على مسيرة العالم في التقدم والتعايش، مستغلة توصيفات منسوبة للدين لتبرير قتل الأبرياء بزعم أنهم ضحايا جانبيين…الخ من التبريرات وأنهم ذاهبون إلى الجنة. لكن الشيء المؤكد هو أن أطرافاً دولية طالما وظفت المشاعر المتطرفة وشعاراتها لتوجيه ضربات موجعة لخصومها، مثلما فعلت واشنطن في تغذية المتطرفين من أدعياء الإسلام لمحاربة السوفيت، أو فسح المجال لاغتيال السادات، بعد أن أصبح يطالب بصوت عالٍ مؤثر عالمياً في الحصول على مقابل واضح لما قدمه للإسرائيليين.
الشيء المهم هو أن استهداف هذا الموقع المكتظ بالناس، بالأخص كونه معقلاً رئيساً لتوجه السياحة العالمية في تركيا، يعني أن العملية الإرهابية لا تقصد الضرر المباشر بالمواطنين، بقدر ما تستهدف السياحة العالمية إلى تركيا. وقد يكون، وهذا ما أرجحه، من أن الإرهابية هي من العناصر التي تسللت إلى تركيا، من خلال تسامح السلطات التركية في استقبال المواطنين الروس والأوكرانيين وآخرين، ممن فروا من احتمالات اتساع مخاطر الحرب.
إن إدانة هذه العملية الإجرامية، ينبغي أن تكون مهمة كل طرف، دول وقوى سياسية وأفراد، والتعاون كل بحسب قدراته وموقعه لكشف خيوط الجريمة، كما إن هذه الجريمة المأساوية قد تكون فرصة ذهبية للعديد من الأطراف لإعادة النظر في طبيعة علاقتها بالسلطات التركية، أو بالأقل تلطيفها، من خلال المبادرة إلى شجب الجريمة والتعاون لكشف كل من يقف وراءها.
من المؤكد أن السلطات التركية، بكل ما تمتلكه من مقومات دولة راسخة وأجهزة أمنية مقتدرة، ستكشف تفاصيل كثيرة في وقت قصير، كما إن الإجراءات الأمنية ستكون أكثر تشدداً مع الجنسيات والشرائح الاجتماعية القادمة إلى تركيا، ممن يشتبه بتعاطفهم مع القوى الإرهابية.
وبغض النظر عما إذا كان هذا الطرف المجرم المخطط والمنفذ للجريمة محلي أو أجنبي، فأن القوات المسلحة والأمنية التركية ستشدد من إجراءاتها وعملياتها لسد أية منافذ محتملة لتسرب الإرهاب، وهذا يعني، بغض النظر عن العلاقة المباشرة بالجريمة الإرهابية، أن شمال العراق من إطراف إقليم كردستان العراق ستكون هدفاً لعمليات أوسع عسكرياً وأمنيا، كذلك “التعامل” مع الوحدات الكردية في سورية.
ومن المؤكد أن مسارعة الحكومة العراقية الاتحادية، كذلك السلطات الرسمية والشعبية في الإقليم لإدانة الجريمة وتعزية الجارة تركيا، لها أثرها الإيجابي في محاولة تحري سبل تحول دون المزيد من التصعيد العسكري ضمن حدود العراق، وبحث وسائل تعاون مشترك لمنع أي انتهاك للحدود العراقية التركية، سواء من قبل العمليات العسكرية التركية أو المتسللين المسلحين، بما يصون سلامة المواطنين في أطراف إقليم كردستان وأموالهم من الضربات العسكرية المركزة.
تصعيد إرهابي خطير / حسين فوزي
(Visited 8 times, 1 visits today)