امير الخطيب
المدن كالامهات تحتضن ابنائها منذ الولادة حتى ما شاء الله، لا تنكر لهم فعلا جميلا أبدا، تلتف أزقتهاحول ارواحهم و كل شوارعها و حاراتها، فتعيش بهم و يعيشون على روحها، متنفسين الغث من الهواء والسمين فيها، المدن كالغابات يعيش بها الناس في مناطقهم، فمنهم من يكون شرسا لا يتواني عندالدفاع عن منطقته، و صاحب الكلمة الطولى، و منهم من يتغنى بتاريخها و ثمار عقول ابنائها.
النجف مدينة تختلف عن كل المدن، نعم انها كذلك، لانها و منذ ولادتها، سمحت لكل الثقافات ان تطرقابوابها الواسعه، و ان تدخل فضائها الأرحب، النجف مدينة المدن، ففيها الفقيه و فيها الشاعر الأكبر وفيها الانذال المتربصين لكل التائهات، فيها السوط و الحرير، فيها ازقة كثيره تخزن حكايات و أساطير،من مقبرتها التي هي اكبر مقبره في العالم، إلى حماماتها التي تكتم كل الاسرار و قصص الظلام.
هذه المدينة اعطت الكثير من الولادات الصعبه، لانها مدينة دينيه، تفكر بالاخره اكثر مما تفكر بالدنيا! ولانها مدينة عصية على الحياة، اختار ابنائها ان يتمردوا أو ان يعترضوا كل شيء حتى المنطق، اعطتالكثير من الولادات إلى شعراء و فنانين و علماء كبار فمنها انطلقت مواكب الحزن السومرية لانها لفتفي عباءتها كل مدن سومر، كل تاريخ العراق.
احد ابرز ابناء هذه المدينة، شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، و كذلك هي مدينة السيد محمدباقر الصدر، فهل اذكر اكثر من هولاء؟!!
فنانين كثر أعطتهم هذه المدينة هدية روحيه إلى سماء العراق، و في كل المجالات، في الموسيقى،المسرح، الصحافه، التشكيل و غيرها من الفنون، فهي مدينة عراقية تجمع كل ناس الارض و لا تقف عندحدودها القومية او العرقية او اي شيء آخر.
ممن اعطت هذه المدينه الفنان الشامل المرحوم كاظم الخطيب، هذا الذي احتضن المدينة في روحه وافنى كل حياته في حب اهلها فأحبوه، فكانت لروحه الشهيق و الزفير، كاظم الذي غادر هذه المدينة و هوفي عز عطاءه و هو في ريعان شبابه، غادر هذه المدينة و الاسى يهزم كل من عرفه و تاق الى ما أنتجه منفنون و اداب.
في هذه الصوره يظهر كاظم جالسا بجانب صديقيه الشاعر الذي بدء رحلته الشعريه و المسرحية وهو لايكاد يبلغ الثلاثه عشرة من عمره، رضا الفحام، الذي كتب الكثير للمسرح الشعري و الكثير من أغنياتالنجف و لوعات الوطن.
جلس رضا في هذه الصوره بين ابناء برّره لهذه المدينه، كاظم الخطيب، و فاصل البغدادي، فاضل الذيتلوع في انتاج أعماله التشكيلية التي تصرخ لحب هذه المدينة، فاضل الذي كان يضحك من شدة الالم،لانه بديله كان ابتسامة مجرده لما حدث و يحدث لهذه المدينه بل لوطنه الذي احبه و تغنى بمعانيهالدفينه و الظاهره، فكانت أعماله الفنيه للعراق فقط و للنجف بشكل خاص.
رضا الفحام الذي عرفته في متوسطة الجمهوريه طالبا، كتب أوبريتا شعريا كنت احد ممثلي هذاالأوبريت، في المسرح المدرسي، عرفته متمردا صاحب نكته لا يغادره الفرح أبدا و لن تغادره الابتسامةفي احلك الظروف.
لا لشيء انما لان هولاء هم ابناء النجف، هولاء هم من تعثر في ازقة البراق و المشراق و العماره والحويش، يصرخ رضا الفحام في حمام كله حسين حين يصب عليه المدلك الماء الساخن و ضحكةمجلجلة تصدر منه بعد الصراخ، فاضل البغدادي الذي يرسم بنات النجف الذي رأهن في فضوة الحويشاو القباب الذهبيه و الزرقاء التي انطبعت في مخيلته يرسمها في سرداب بيتنا في البراق، عن ظهر قلب.
كاظم الخطيب الذي تغنى بعشق النجف لازالت ذكرياته بين كل اهل النجف، عطره طرية عصية علىالنسيان.