الانثروبولوجيا والحمولات المزدوجة د. رقيق عبد الله

الانثروبولوجيا والحمولات المزدوجة د. رقيق عبد الله

د. رقيق عبد الله

أن التمييز بين ما هو سوسيولوجي وما هو أنثروبولوجي في مجتمعاتنا العربية يقع وفق الخلفيات الأيديولوجية للتراث المجتمعي وكيفية التعامل معه والانتصار له.
لقد تنصلت السوسيولوجيا عبر نخبها ومختصيها العرب من التأثير البالغ للنزعة الاستعمارية وتجاوز الحدود المعرفية عبر خدعة مرتبطة بالتوافق مع كل التراث الاجتماعي و حتى الكولونيالي منه colonialisme، ورمت ذاك الاحتماء وتلك الإخفاقات في دراسة الاختلاف وظواهر المجتمع المختلفة على الأنثروبولوجيا ومقاوماتها الأيديولوجية.
أن السوسيولوجيا عاشت الكولونيالية ايضا في بحوثها وتحليلها بل ومناصرتها عبر الحقل الاجتماعي وميدانه، وملكت ايضا النزعة القومية التي تبنتها تلك النخب العربية المختصة المتلونة مع واقعها ووقائعها في محاولة لتعويم الأنثروبولوجيا كعلم يدرس الاختلاف والفوارق لثقافة الإنسان المحلي و الكوني عبر الآخر و وصمت السوسيولوجيا البحث الأنثروبولوجي بالتطابق الفاقد للمنهج ودلالته المعرفية مع الايديولوجيا وتأثيرها بالهيمنة الغربية والاستعمارية، وتبنى العقل العربي كعادته ضمن مركزية ثقافته العربية المنهج العدائي للانثربولوجيا كعلم ومعرفة، وحرمت المجتمعات من دراسة الظواهر وإيجاد الحلول لها عبر العمق الثقافي وفهم صوارفه وبناءاته الخفية.
إن تعمق السوسيولوجيا و نسيج بناءاتها البحثية في مجتمعاتنا العربية ما كان ليحدث لو لم يتم إبعاد الأنثروبولوجيا ومنهج دراساتها من مناهج التدريس والبحث، فالنظرية التجزيئية وأيديولوجيا التمركز المتعالق مع ذواتنا الاجتماعية لا يخص الانثروبولوجيا وحدها وانما يمس كل العلوم الاجتماعية والإنسانية ومحاولة إقصاء الانثروبولوجيا المتعمد من مختصي السوسيولوجيا عبر سندات تاريخية لارتباطها بثقافة الكولونيالية افقدها عدم تبني فكرة مرجعية لباحثيها والانتقال من التفكيك إلى البناء والبحث في حقولها المعرفية المتجاوزة لدراسات التفكيك في القبيلة والسلالة، العرف والفلكلور الى إعادة صناعة المسافة المنهجية التي من خلالها يتم استغلال الإنتاج المعرفي الكولونيالي و إمكانية تأزيمه من الداخل عوض التهرب منه والسكوت عنه.
يجب على الباحث الانثروبولوجي في تصوري أن يخرج من تلك الثقوب المعرفية والعلاقة الحذرة بين الانثروبولوجيا والمجتمعات العربية وفكرة التعالق الأيديولوجي إلى فكرة الإنتاج الواعي الموضوعي للمعرفة الثقافية وكسر صنم الحمولات المزدوجٍة الأيديولوجية وليس مثلما فعلت السوسيولوجيا في عالمنا العربي…يتبع
كاتب جزائري

(Visited 75 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *