كافي لازم
ابدء مقالتي هذه برسالة الى الاخ المجتهد الدكتور احمد حسن موسى صانع هذا الجمال بهذا المهرجان الجميل رغم الظروف القاهرة بمناشدته بأن يهتم بدعوة فناني المهجر وهم لهم منجزاتهم المعروفة في مجال اختصاصهم عندما كانوا في ارض الوطن او في المهجر وهم يمارسون دورهم هناك بإعلاء شأن الوطن العظيم.
اكيد لاحظ المهتمون بالشأن الفني اني لستُ لدي اجندة شخصية في مقالاتي المتواضعة مع اني لم ادعُ من سنين الى اي لجنة فنية في الكثير من المهرجانات وهذا مؤسف.
(الممثلون خلاصة العصر)
الممثلون خلاصة العصر جملة قالها شكسبير بلسان هاملت ، هنا الممثلين عند المخرج العراقي والعربي جواد الاسدي هم ارض خصبة يزرع فيها الجمال وعمقه ومكمنه في مسرحية (تقاسيم على الحياة) اعداد واخراج د.جواد الاسدي والتي عرضت في مهرجان بغداد الدولي للمسرح ليوم ٢١/١١/٢٠٢١.
ان تسامي امراء التمثيل في اداءهم تناغمآ مع اميرهم الكبير (المخرج) فهو ليس غريبآ عنهم فقد مثّل في فرقته العريقة فرقة المسرح الفني الحديث وتعلم في هذه الاكاديمية العريقة اولى الخطوات العملية في الدخول الاحترافي فهو في (بغداد الازل) كان ممثلا وانطلق مخرجا محترفا في مسرحية (العالم على راحة اليد) اعداد الراحل قاسم محمد عن المسرح الروسي مع مجموعة من شباب الفرقة اليافعين وقد احدث فعلا فكريا وجماهيريا مع العلم كنا شبابا غير مشهورين وقد عرضنا لايام طويلة رغم انها مسرحية باللغة الفصحى وغير شعبية وبعدها مثل في مسرحية (الجومة) تاليف يوسف العاني والتي لم ترَ النور لانها مُنعت ونحن في الجنرال بروفة وبشكل سريع وقاسي…. وبعد تخرجه دخل في المعهد الاذاعي والتلفزيوني ونجح بتفوق وقد اُلغيت شهادته بسبب انه (لم يكن سائرا بخط الثورة) اذن لا مناص من مغادرة الوطن وهناك في رحلة الغربة القاسية حصل على الدكتوراه في الاخراج المسرحي من بلغاريا وانجازاته معروفة على مستوى الوطن العربي والعالمي ولنا حديث اخر عن حياته .. كذلك سنفرد حديثآ خاصآ عن شباب الفرقة في العقد السبعيني في كتابنا القادم عن الفرقة وجواد الاسدي هو رئيسها الان .
ويعتبر هذا العرض (تقاسيم على الحياة) اضافة نوعية لحياته الفنية… مجموعة من المرضى النفسيين في هذا المشفى (السجن) الذي اقامته السلطة الطاغية لكثير من المعارضين بمختلف اختصاصاتهم العلمية والادبية والفنية ولم يسلم منهم العلماء الذين خدموا الانسانية وحتى الممثل الشهير رغم تعلق الناس واجزاء من السلطة لفنه وفكره،، ولكلمة في يوم ما قالها بمناسبة ما في اداءه التمثيلي اُدخل المصحة .. انه اسقاط للواقع على ما يحدث في دول الشرق الاوسط وبالأخص العراق وهذا حاضرآ الى الان في اذهان العراقيين وكان سائدا في روسيا لاسيما في العصر الستاليني (مؤسف اننا لن نرى سياسيا حاضرا في العرض الذين صدعوا رؤوسنا بأفكارهم المتخلفة) .
انحصر العرض في الربع الاول منه في اعلى وسط المسرح مما افقد بعض من رؤية وانفعالات الممثلين وانغلقوا في مكان واحد الا ان صمت الجمهور والانتباه لكل مفردات الحوار مما يعني ان المخرج قد استطاع ان يجعل منا ان نكون جزء من العرض في انفاسنا وحواسنا وبعد مشهد (الشوربة) وهي توزع على مجموعة المرضى(السجناء) الذي كان مثيرآ ورائعآ انفتح العمل لنرى الفعل العظيم بمفرداته الجميلة والتي عزفوها مجموعة من الممثلين وتفاصيل ادائهم لاسيما الفنان القدير مناضل داوود الذي مثل شخصية طبيب المصحة (اندريه)والذي يعلم بكل تفاصيل الشخصيات (المريضة) كذلك الاسلوب القمعي للنظام مع انه مارس كل ما تريده السلطة من الضغط على هؤلاء من بشاعة وتسلط الا انه لم يسلم في النهاية من عدم رضائهم وبالتالي احالته على التقاعد بعقوبة شديدة
اما الشخصيات الاخرى (كدور الممثل الشهير) والذي قام بأدائه المذهل الفنان المقتدر اياد الطائي . حتى انه قال لي بعد انتهاء العرض “انني عندما كنت امثل اتذكر وانا في ذهني فرقة الحديث وانا منها ” اما الفنان حيدر جمعة كان قريبا الى النفس ومعاصرا كذلك الفنان جاسم محمد وامين مقداد وطلبة المعهد جميعهم.. انها متعة لا مثيل لها .
اما العازف الجميل فكان رقمآ مهمآ ومستقلآ بذاته .
ان استعمال اداوت الشغل المسرحي مرسوم بحرفية ثابتة اضف الى السينوغرافيا ورموزها الفكرية جاءت متلائمة مع صيغة العرض بأنسيابية عالية في دخول وخروج الممثلين الغير تقليدية من خلال دخولهم من الجدران الحديدية التي البسها المخرج السواد القاتم لترمز لمدى الظلم الحاصل في سجون الطغاة
كذلك توظيف هذا الشكل في انارة اعطاءها شخصية اضافية لألية الفعل الحقيقي لهذه الادوات .. اني ارى ان هذا العرض ممكن ان يكون كباليه ايضا.. هنيئا لنا بهذا العرض العراقي الجميل