*شمال شرق  / سنوات العرب الذهبية الثلاث / عارف العضيلة

*شمال شرق / سنوات العرب الذهبية الثلاث / عارف العضيلة

*عارف العضيلة
بعد نكسة 1967م وهي الهزيمة الأعنف والأكثر قسوة للعرب منذ أن خلق الله تعالى أبو العرب سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام .. إلى اليوم .. بات الواقع والمستقبل العربي سوداوياً ومظلماً وعم التشاؤم جميع الأوساط العربية.
وظهر ذلك جلياً في الحالات الثقافية في الشعر والدراما والمسرح والصحافة والكل يتناول ضعف وتفكك عربي .. وعدم إتفاق فيما بين العرب.
لكن هل كان العرب منذ 1967م وحتى اليوم في حالة مطلقة من الضعف والهوان والتفكك .. ولم تمر عليهم مرحلة من القوة؟!.
لا يعلم الكثيرون عن سنوات (العرب الذهبية الثلاث). التي كانت سنوات تصحيح البيت العربي من الداخل ومن ثم كان التوافق والإتفاق .. وصولاً للتضامن العربي وتوحيد الكلمة. وتعزيز مسيرة العمل العربي المشترك.
هذه السنوات كانت بدايتها أواخر العام 1987م .. وإنطلاقتها الفعلية نحو ترجمة وتحويل الآمال والتطلعات إلى أفعال في مؤتمر القمة العربية الطارئ المنعقد في العاصمة الأردنية عمان .. كانت أهم قرارات المؤتمر الطارئ ضرورة تنقية الأجواء والعلاقات العربية -العربية. لتكون هي بداية تضامن العرب ..
وأنطلق العرب إلى أفاق الوفاق والإتفاق منهين خلافاتهم البينية ومبتعدين عن كل أسباب ومسببات هذه الخلافات .. ولعل أهم ما حققه العرب من مكتسبات في سنواتهم الذهبية الثلاث على الصعيد السياسي: –
– إنهاء الخلافات البينية وعودة العلاقات الدبلوماسية بين كل الأقطار العربية – الإستثناء الوحيد يومها كانت العلاقات العراقية – السورية.
– عودة مصر إلى محيطها العربي. ونهاية المقاطعة العربية لمصر.
– إنطلاق إنتفاضة فلسطين الأولى. هذه الإنتفاضة التي ذكرت العالم بحقوق الشعب الفلسطيني .. ودعمها مالياً وسياسياً.
– إعلان قيام دولة فلسطين على الأراضي الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف فهذا الإعلان الذي تم عام 1988م رغم رمزيته إلا انه حقق نصر سياسي كبير للقضية الفلسطينية. وأعلنت الكثير من الدول إعترافها الرسمي بدولة فلسطين.
– توالي القمم العربية الإستثنائية. فبعد قمة عمان كانت قمة الجزائر ومن ثم قمة الدار البيضاء وأخيراً قمة بغداد 1990م .. هذه القمم حملت رسالة هامة للعالم. مفادها إن العرب متحدون. ومتضامنون تجاه أي مؤامرة تستهدفهم. وتجاه القوى العالمية والإقليمية.
– الوحدة بين شطري اليمن.
– نهاية الحرب العراقية – الإيرانية بنصر عراقي.
– ظهور تكتلات سياسية جديدة تعزز الوحدة العربية والعمل العربي المشترك (مجلس التعاون العربي ومجلس التعاون المغاربي).
– بداية حل القضية اللبنانية وإنهاء الحرب الأهلية في لبنان.
منجزات كثيرة حققها العرب على الصعيد السياسي في سنواتهم الذهبية الثلاث ومنها تعزز العمل العربي في المجالات الأخرى الثقافية والتعليمية والإعلامية والرياضية.
كانت الأجواء توحي بفجر عربي أكثر قوة وأكثر إزدهاراً.. وكان الصوت العربي مرتفعاً وقوياً في الأوساط الدولية وعزز ذلك وجود زعماء عرب أقوياء في غالبية الدول الدول العربية.
لكن ما الذي جعل العرب يستشعرون أهمية إتحادهم ويسعون جاهدين لتعزيز عملهم المشترك بعد سنوات التجافي وإزدياد الخلافات فيما بينهم؟!.
في مقطع مصور بات شهيراً يتم تناقله بوسائل التواصل الاجتماعي بالعالم العربي لخطاب للرئيس اللييبي السابق معمر القذافي يتحدث من خلاله عن مؤامرة كونية تستهدف العرب. الخطاب كان في الثمانينات وسط جمع عربي .. ويقف الرئيس القذافي ليقول بعد تعليل وتسبيب طويل إن العرب سيهجرون ويشردون من أوطانهم. ويصبحوا كالغجر والهنود الحمر – على حد وصفه – يهيمون في الأرض بدون وطن.
ويتناول في خطابه أيضاً إن من أهداف المؤامرة الكونية ضد العرب الإستيلاء على مياه الأنهار العربية والإستيلاء على المضائق البحرية العربية والثروات العربية الطبيعية. مختتماً حديثه بأن الحل هو الإتحاد فقط.
واليوم بعد أن ظهرت الكثير من ما حذر منه الرئيس القذافي .. نتساءل كيف حذر القذافي من ذلك. هل كانت تخمينات أو تشاؤمات في نفسه وأطلقها للملاء؟!. الجواب حتماً لا.
فالرئيس معمر القذافي كأي رئيس دولة تعرض عليه التقارير الإستخباريةالاكثر سرية .. ويطلع عليها .. ذات التقارير الإستخباراتية وصل مايماثلها لغالبية الزعماء العرب.
الفرق إن القذافي جهر بما علم به وباقي الرؤساء راعوا الأعراف الدبلوماسية والسياسية والمصالح العليا .. ولم يتحدثوا للعلن.
هذا أولاً وثانياً فلقد نشر في منتصف الثمانينات تقارير صحفية غربية وترجمت ونشرت في بعض الصحف العربية تتناول هذه التقارير مخطط دولي لتقسيم العرب (أو ما يمكن أن يوصف بتقسيم المقسم وتفتيت المفتت) وإضعاف المنطقة العربية والإستيلاء على الثروات الطبيعية التي تمتلكها ومصادر القوة لديها .. هذه المؤامرة تتم أيضاً بالإستعانة بقوى إقليمية بالمنطقة غير عربية. لها مصالح بإضعاف العرب وتشرذمهم ..
كانت هذه بداية إحساس العرب بالخطر القادم من كل الجهات. لا سيما وأن المنطقة العربية بسبب موقعها الجغرافي الأكثر تميزاً وكونها الرابط بين الشرق والغرب .. وبسبب الثروات الهائلة التي تمتلكها. وبسبب القوى البشرية الشبابية وبسبب الأرث التاريخي الذي تمتلكه. جعلها مطمع لكل القوى في العالم .. يحاولون الإستيلاء عليها .. أو زعزعت إستقرارها وتفريقها ليسهل إستغلال المنطقة ..
في الثمانينات كانت عواصم القرار العربي في (الرياض – بغداد – الكويت) .. ومن هنا كانت إنطلاقة سنوات الذهب العربي الثلاث.
من هذه العواصم كانت مبادرة التضامن العربي. لإنقاذ العرب من المخططات والمؤامرات التي تستهدفهم ..
وبالفعل كان النجاح حليفهم .. وانعقد مؤتمر عمان 1987م وما بعده من مؤتمرات عربية .. فكانت سنوات العرب الذهبية الثلاث التي أستمرت حتى حلت بالعرب الكارثة الكبرى وهي حماقة الثاني من أب أغسطس 1990م .. والتي أنهت الوفاق العربي. وكانت هدية لا تقدر بثمن لأعداء الأمة في المنطقة وخارجها ..
وعاد العرب بسبب حماقة الثاني من أب إلى منطقة ما قبل الصفر بمراحل. ونسأل الله تعالى أن يقيض لهذه الأمة أمر رشد يعيد لها قوتها ويعز شعوبها.

كاتب سعودي – الرئيس التنفيذي لدار مصادر للدراسات والأبحاث الإعلامية.

(Visited 200 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *