محمد السيد محسن
….
ربما يتفاجأ البعض اذا اعتبرت ان قصيد “حمام نسوان” هي من أجرأ قصائد مظفرالنواب ، قياسا لما كتب مظفر من قصائد فيها من العري والخمريات والشتيمة والالفاظاللاذعة الكثير ، بيد اني استند الى ما يسهم في تعضيد وجهة نظري .
حبي لهذه القصيدة انها من القصائد التي كتبها مظفر ، وكنت استمع الى مقاطعها بعدان تكتمل الواحد تلو الاخر ، فهي من القصائد التي اسمعنيها مظفر قبل ان يلقيها امامالجمهور ، ولا ادّعي اني أعطيت اية فكرة او وجهة نظر تتعلق بالقصيدة ، كنت مستمعا. اضحك تارة وابكي تارة أخرى ، وما زلت اتعامل مع هذه القصيدة على انها حكايتي ،حيث اني لا اختلف مع مظفر في الغربة القسرية والمنفى، ما زلت هذه القصيدة تبكينيرغم مرور سنوات على كتابتها ، بل ، ورغم اني استمعت اليها مئات المرات ، ولشدة حبيوتعلقي بهذه القصيدة لم احفظها لحد الان، ربما لأنها تبكيني.
تمتاز قصيدة “حمام نسوان ” بثلاث ميزات مهمة قد لا تجتمع في قصيدة واحدة ، وهي:
أولا : انها قصيدة ذات محتوى روائي متناسق جداً ، حيث تتحدث عن رجل عراقي مغتربيعاقر مقهى في الغربة وينقل معاناة ما يدور بخلد الرجل، الشاعر ، فينقل صوراً وملامحمن حياة وذاكرة وحنين وغربة نفسه وهو يتحدث عن البطل ، الشاعر ، في آنٍ واحد. ،فتنتشر ذاكرة الوطن والطفولة في أجواء القصيدة، ويسرد الشاعر ذاكرته ما بين طفولةبريئة اخشوشنت عذريتها بعد امتلاء السنين بالعذاب والقهر .
…
حزنك چمالة شته
وگاعد لوحدك غاد بزوية عمر
والگهوة چنهه سنين نطرت ناس
مسحتهم صفنتك
مطر كلّش مطر
والشارع مغوّش حچام
وريحة ناس مالك شغل بيهم
عينك مراية وكت ما بيها احد
وانت ضايع مثل ورگة يانصيب انتهت
وتدور الجرايد بلچي ريحة وطن
…..
ثانياً: الاعتراف بحوادث لا يمكن ان يتحدث بها شاعر ، بل ان الحديث فيها يعد منالمؤاخذات الاجتماعية ، ولا يمكن ان تبرره حتى واقعية تولوستوي او البر كامو، حيثيتحدث عن حادثة طفل يتم اقتياده من قبل قريباته الى حمام النساء ، وبعد مضيالسنين ودخول الشاعر في مرحلة الكهولة يروي الشاعر عبر قصيدته مزاح النساءالعاريات في الحمام ، ورغبتهن في النظر او التحرش باعضاء الطفل التناسلية.
….
تحلم بحمام ريحة مستحه ونسوان
بين افخاذك يدورن على الصابونه
ويصبن نهدهن والمسچ فوگاكر
وساسة ضحك
وانت بگد الاصبع
صوتك زغيرون يلعلع
يبدن شويه اصابيعك يفهمن
يبدن افخاذك يرطنن
تبتدي تحب التمر
يوگعنلك جلف
تلمع مثل قوري زغير
وتتراقص ركبتك
تنظف انت !
لاچن توصخت نظرتك
مدري وين ترزرز عيونك
ياخذنك بالمناشف
حيل ينشفنلك فخاذك حيل
وتگلهن شنو ؟
الصابونه من جديد ضاعت
….
وتعد الحرأة في المقطع السابق من الممنوعات حيث ان الحدث لا يخص بطل القصيدة ،وانما ربما يحيل المستمع او القارئ الى نساء اخريات ، من المحتمل ان ينعكس التأويلعلى انهن من اقرب قريبات الشاعر والبطل ، مظفر النواب.
ثالثاً : تعتبر القصيدة خلطة رائعة ما بين الحنين والذاكرة واشتغال الشاعر على مفرداتوتشبيهات عالية المستوى في سردية تتحول من الكوميديا الى التراجيديا ، ولا يفصلبينهما الحدث ، وانما تحولات الشاعر الروائي ، وهو ذاته بطل القصة.
ومن المساقط الشعرية الجميلة في القصيدة اختار هذه المقاطع الثلاثة
….
تدير عينك غاد
وتمشها بجريده
لاچن يصب الدمع
….
تغمض عيونك …وين راحوا
يعني حلفوا ما يجون
ترسم على الشباچ دوّيرة صحو
برجفة چفوفك
بلچي جيتهم تشوفك
…
كربه مسيّسه
كربه كلّش
لاچن تشيل الوطن فوگ الدهر زفة شمع
ياشعب هذي كربتي
….
الكربه في اللهجة العراقية الدارجة هي مؤخرة سعف النخيل ، او جذر السعفة الذييلصقها بجسد النخلة ولونها داكن ، وتستخدم عادة كوسيلة لاشعال النار.
ازعم ان هذه الابعاد الثلاثة مجتمعةً لم تتشكل منها قصيدة واحدة لمظفر النواب ، وانطريقة التنقل ما بين المشاهد الكوميدية والأخرى المؤلمة في القصيدة تم صياغتهاباحترافية عالية المستوى.
كما ان من الصعب ان يأخذ الشاعر دور الراوي حين يسرد قصته وهو في أحلام العودةللذاكرة علّها تعوضه قليلاً عن الوطن