*شمال شرق
عارف العضيلة
لبنان” سويسرا الشرق .. ورئة الأرض .. وإشعاع الحضارة والمعرفة والثقافة .. وقبلة الفنون العربية .. وعاصمة السياحة في الشرق الأوسط ..
وجدت لبنان في ماضيها الزاهر والمشرق كل الدعم والمساندة من أشقائها العرب .. وأنسجم لبنان مع محيطه العربي الأصيل. لذا أزدهرت لبنان .. وزادت قوتها …. يومها لم يكن للغرباء أي تدخل بالشؤون اللبنانية.
وتأكيداً لعروبتها كانت لبنان ضمن الدول العربية السبع المؤسسة لجامعة الدول العربية فهنا نلحظ وبوضوح قوة الإنتماء العروبي للبنان .. وأنه قطر عربي متفاعل مع قضايا الأمة ..
وحين حلت بلبنان أزمته الكبرى عام 1975م المتمثلة في إندلاع الحرب الأهلية وتداعياتها المتعددة وما صاحبتها في أزمات أهمها الأجتياح الإسرائيلي للبنان ومذبحة صبراء وشتيلاء .. وليس إنتهاءاً بالإحتلال الغاشم للجنوب اللبناني. لم يجد لبنان سوى أشقائه العرب للوقوف معه ومساندته في هذه الأزمات .. حيث تحولت لبنان يومها إلى مسرح للنار والبارود .. وشعلة من النيران .. ما تكاد تنطفي الأولى إلا وتشتعل الثانية ويزيد إشتعالها .. تخلي الشرق والغرب عن لبنان وتركوه يواجه مصيره الكارثي بمفرده.
ووحدهم العرب كانوا المعين الصادق الأمين للبنان .. وكانت أقوى الوقفات العربية مع لبنان .. بزعامة السعودية التي دعت لقمة عربية طارئة مصغره بالرياض أقرت تشكيل قوات الردع العربي لحفظ السلام في لبنان وتم إرسال قوات عربية إلى لبنان كمحاولة عربية لإيقاف لهيب الحرب ..
ومع تصاعد وتيرة الحرب الأهلية زادت وقويت جهود العرب ومبادراتهم لإنقاذ لبنان .. جهود دبلوماسية لا حصر لها من أجل لبنان .. ومليارات الدولارات أنفقت من أجل لبنان ..
لتتوج هذه الجهود العربية بإطلاق اللجنة العربية الوزارية السداسية برئاسة الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وزير الخارجية الكويتي ..
أدت هذ اللجنة أدواراً دبلوماسية وسياسية هامة جداً من أجل إنهاء الحرب في لبنان .. وتولت تنظيم الكثير من لقاءات التفاهم والمصالحة بين الفرقاء وبين الطوائف المتقاتلة ..
حتى أعلنت هذه اللجنة إنها وصلت إلى طريق مسدود وأنها لم يعد لديها أي جهد جديد لتقديمه ..
ومع هذا لم يتخلى العرب عن لبنان .. وأحسوا بعظم المسؤولية الملقاه على عاتقهم لإنقاذ لبنان ..
لتنعقد القمة العربية الطارئة في الدار البيضاء عام 1989م .. التي أقرت تشكيل اللجنة الثلاثية العليا برئاسة الملك فهد بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية وعضوية كل من الملك الحسن الثاني ملك المغرب والرئيس الشاذلي بن جديد رئيس الجمهورية الجزائرية .. لينطلق فجر جديد من الأمل العربي نحو إنقاذ لبنان مما أصابه من الويلات والمحن.
فكثفت اللجنة جهودها ومشوراتها المستمرة .. بدعم من كل الدول العربية .. حتى تم إنعقاد مؤتمر الطائف ومن ثم تم توقيع إتفاق الطائف التاريخي. الذي أسعد اللبنانيون ومعهم العرب كل العرب .. حيث وضع هذا الإتفاق نهاية للحرب الأهلية اللبنانية التي أستمرت خمسة عشر عاماً أحرقت الأخضر واليابس وقتلت وشردت الألاف من اللبنانيين وغيرهم. وتكبد الاقتصاد اللبناني خسائر جمه لا حصر لها .. شلته بالكامل ..
ومع هذا واصل العرب مسيرتهم لدعم لبنان ومساندته فأصدرت القمة العربية الإستثنائية المنعقدة في بغداد عام 1990م. قرارها بتمديد تفويض اللجنة الثلاثية لإكمال مهمتها في إعماء لبنان والوقوف معه لتجاوز المصاعب وإستعادت عافيته.
وفي مطلع التسيعنات من القرن الماضي ضخ العرب بقيادة السعودية مليارات الدولارات لإعادة إعمار لبنان .. فأنطلقت في لبنان أكبر عملية للإعمار والتنمية في وقت كانت إقتصاديات العالم تعاني من الركود .. وأزمات إقتصادية كبرى أهمها أزمة النمور الأسيوية وإنخفاض أسعار النفط.
ورغم هذا لم تتأثر مسيرة التنمية العمرانية والإقتصادية في لبنان بفضل العرب ..
وسياسياً ظلت دول المحور العربي السعودية – مصر – سوريا توفر الغطاء السياسي والدعم الدبلوماسي للبنان من أجل أن يستعيد مكانته .. على الصعيدين العربي والدولي.
ومع تعافي لبنان .. وصل الغرباء الذين تخلوا عن لبنان في أحلك أزماته .. محاولين تنفيذ أجندات متعددة .. مستهدفين العرب ووحدتهم .. ولبنان. وكأنهم لن يرضوا عن لبنان إلا إذا عاد ساحة للفوضى والإقتتال والتناحر.
العرب بقيادة السعودية يريدون لبناناً عربياً قوياً مزدهراً في جميع المجالات الإقتصادية والثقافية ويريدون لبناناً يعود إلى الصف العربي يساهم مع أشقائه العرب في التنمية ودعم قضايا الأمة .. والغرباء يريدون الدمار والخراب للبنان والسير خارج السرب العربي.
وفي هذه المرحلة الواجب على القيادات اللبنانية تحكيم العقل والمنطق والمصلحة العليا للبنان .. ويجب أن تعود لبنان إلى محيطها العربي .. فهو المحيط الأكثر أماناً للبنان وأهلها الكرام ..
فالأغراب كما تخلوا عن لبنان في أزماته السابقة حتماً سيتركونه في أي أزمة كبرى .. ولن يجد لبنان أمامه سوى العرب والعرب وحدهم.
كاتب سعودي – رئيس دار مصادر للدراسات والأبحاث الإعلامية
للتواصل تويتر / @msader16