مصدق الحبيب
لم ينتج الفنان الهولندي يوهان فرمير Johannes Vermeer سوى 38 لوحة خلال حياته الفنية، ولم يشتهر في ذلك الزمان بما يتناسب مع براعته الاكاديمية، ولم ينعم بحياة مستقرة هانئة! وعند وفاته المبكرة في سن الثالثة والاربعين لم يكن بمقدوره أن يترك لزوجته واطفاله اي شئ ذي قيمة، بل خلف لهم الكثير من الديون المتراكمة! والغريب في الامر فان هذا الفنان المقتدر كان قد طواه النسيان قرابة قرنين من الزمن حتى انه لم يذكر في اي مصدر لتاريخ الفن بما في ذلك المصدر الرئيسي لتاريخ الفن الهولندي خلال القرن السابع عشر لمؤلفه أرنولد هوبريكن Arnold Houbraken ! وبقي تجاهل هذا الفنان المتفوق لحين صدور كتاب ثور برگر Thore-Burgerعام 1866 والذي كان بمثابة الفهرسة والدليل الاول لاعمال فرمير، والذي سماه فيه “ابو الهول الهولندي”. ومنذ ذلك المنشور وعلى امتداد القرن العشرين عرف فرمير كأحد اعمدة الفن المتفوقين في عصر هولندا الذهبي.
ولد فيرمير عام 1632 في مدينة Delft ، المدينة الهولندية الغافية على ضفاف نهر الـ Delftweg ، والتي خلدها ببعض من لوحاته. تميز هذا الفنان باشتغاله البطئ الفائق العناية بالتفاصيل ومساقط الضوء. ومما عرف عنه آنذاك انه رغم فقره فقد كان حريصا على استخدام اجود نوعيات الالوان والمواد الفنية واغلاها حتى لو كان يستدين اثمانها.
باستثناء بعض اللوحات القليلة التي صورت مشاهدا من مدينته، فقد حرص فرمير على تصوير المشاهد المحلية الداخلية التي وصفها نقاد الفن بانها نظمت في غرفته الصغيرة حيث ظهرت في ركن واحد منها نفس الاثاث والديكورات. بل انه كان يجلس شخوصه واغلبها من الوجوه المألوفة للنساء اللائي يعرفهن من حوله امام الشباك ليتسنى له رسم المشهد من زاوية نظر واحدة. وهكذا فقد اصبح ذلك الشباك والضوء الداخل منه قسمة مألوفة من قسمات اعمال فرمير، خاصة لمن يتأمل انشاء لوحاته.
بعد الغزو الفرنسي لهولندا عام 1672 والتخريب والكساد الاقتصادي الذي عم البلاد ساءت احوال فرمير بشكل متفاقم ولم يتمكن من بيع اي لوحة او يحصل على عمل فبقي يصارع مع قساوة الحياة ثلاث سنوات الى ان مات كمدا عام 1675 لتبقى زوجته تسترحم الدائنين وتعمل جاهدة لاطعام اطفالها.