د. علي موسى الموسوي
لا تزال التواريخ المنسيّة تقص لمتصفحها احداثاً وظواهراً عالمية تعيد اجترار نفسها وحياتها بكامل التفاصيل والهوامش البشرية، ومنها ظاهرة التسول العالمية التي لا يزال الجدل والغموض يحيط بأسباب انتشارها وتأريخية تمددها المُرعب، البعض التقط نظرة تحليلية واكد من خلالها ان الأزمة الاقتصادية العالمية وراء ذلك الشيوع الغريب والبعض الآخر يرى ان دول اوربا الشرقية كانت سبباً رئيسياً لأنتشار تلك الظاهرة وتدعيمها عبر سياسات التخبط والطبقية، اما الآلية التفكيكية لاوضاعِ وطرق التسول في العالم فنجدها مختلفة ثقافياً ومتباينة جغرافياً، ففي الهند مثلا هناك مدينة خاصة بالمتسولين لها قوانينها وطريقة خاصة في العيش داخلها، أما في البلاد الشرقية التي تمزقها الحروب والصراعات الطائفية والمذهبية فيختار المتسولون على الاغلب أماكن العبادة وأرصفة الطرقات على العكسِ من اوربا التي تجدهم فيها يتمركزون داخل أنفاق المترو والساحات العامة وقرب المتاحف ومنهم من يقدم عروضاً سحرية وهناك من يستعرض بحركات بهلوانية وآخر بأعمال فنية ولكن الأكثر جذباً وسخرية هي اللافتات ذات التعليقات الغريبة والمضحكة التي يتفننون في كتابتها وعرضها أمام الناس واضعين من خلالها صندوقاً صغيراً لجمع النقود، فما بين الرسم والموسيقى وتأدية الألعاب السحرية وارتداء الملابس الغريبة ورسم الوجوه بالألوان المختلفة، لجذب السياح والتقاط صور السيلفى ابتكر متسولو الدول الأوروبية طرقهم الخاصة للحصول على الأموال وكذلك الحرص على الجلوس عند أرصفة الطرقات مع وضع علب من البلاستيك أمامهم يكتبون عليها عادة عبارات مثل “أنا جائع” او “الرجاء المساعدة” وغيرها من العبارات المؤثرة، وتُشير المعلومات بهذا الخصوص ان القسم الأكبر من المتسولين امثال هؤلاء هنا في اوربا هم بلدان أوروبا الشرقية أو ما يسمى بمجتمعات الغجر إضافة الى أن جلوسهم على الأرصفة والممرات المزدحمة هو امراً مدروساً بعناية لانه يؤدي الى تعرضهم للاصطدام بالمشاة وهو ما يستغله المتسولون في الواقع لجني المزيد من الأموال كما يتعمّد المتسولون أحيانًا لاستخدام أطفالهم بهدف إيقاف المشاة في الطرقات والإصرار على طلب المال بحجة العودة الى بلادهم فيضطر المارة الاستجابة للتخلص منهم، علماً ان المارة الذين يتعاطفون معهم ويتبرعون لهم بشكل مستمر هم الذين جعلوا منهم ظاهرة اجتماعية خطيرة تقض مضاجع المجتمع الأوربي ومشكلة أجتماعية مرشحة للتفاقم خلال الفترة القادمة سيما بعد صعود احزاب اليمين المتطرف في بعض بلدان الاتحاد الأوربي والفجوة الاقتصادية الحاصلة بين بلدان أوربا الغربية والشرقية.