محمد الكلابي
ثمةَ ما يجبُ التمييزُ بينَ شكلينِ منْ أشكالِ الوعيِ البشريِ المختلفةِ ، هناكَ ( وعيٌ بالظلمِ ، وهناكَ ( وعيٌ بالحريةِ ) ، الوعيُ بالظلمِ ليسَ مسألةً ذاتَ شأنٍ كبيرٍ بالنسبةِ للإنسانِ ، لأنهُ لا يحتاجُ في معرفتهِ إلى ثقافةٍ وفكرٍ ، فمثلاً إذا كانَ لديكَ طفلانِ وقدمتْ لهما قطعتيْ حلوى غيزْ متساويتينِ سيشعرُ أحدهما بالظلمِ بالضرورةِ ، حتى وإنْ لمْ يتعلما النطقُ بعد ، في حينِ أنَ الوعيَ بالحريةِ هوَ المهمُ . ! لأنَ هذا الوعيِ هوَ ما يحتاجُ فيهِ الإنسانُ إلى فكرٍ وتنويرٍ وعملٍ مضني لكيْ يبلغهُ . . فالمثقفُ يعلمُ أنَ الوعيَ بالظلمِ ينتجُ ثوراتٍ ولكنهُ لا يستطيعُ أنْ ينتجَ دول ومؤسساتٍ ، الوعيُ بالحريةِ هوَ ما ينتجُ الدولَ والتظمْ ، لأنَ الوعيَ بالحريةِ سيدفقكْ الآنَ تتساءلُ حولَ كيفَ يمكنكَ أنَ تكونَ حزأْ . ؟ أوْ متىْ يمكنكَ أنْ تكونَ حرةً ومتى لا يمكنكَ . . ؟ وبالتالي فوعيُ الحريةِ سينتجُ حتما وعيا عقلانيةً بمحدداتِ الحريةِ ، أوْ وعيا بالقانونِ والنظامِ الذي ينسجُ الحريةَ ويؤظزهايْ وعيهُ بالدولةِ بتعبيرِ آخرَ . . لا يزالُ الوعيُ بالحريةِ غائبةً عنْ شعوبنا العربيةِ ، ومنْ هنا يمكننا أنْ نفهمَ لماذا الدولةُ لازالتْ غائبةً ومستقيلةً ) ، وهذا ما يكشفهُ المثقفُ جيدةً ويدركهُ لزوما . . وهنا تكمنُ مشكلةَ المثقفِ معَ القوراتْ ، لأنَ المثقفَ يعلمُ تماما أنَ الثورةَ بحدِ ذاتها ليستْ غايةً ولا نهايةً ، فالثورةُ مجردٌ وسيلةً ، والدولةُ هيَ السعيُ والغايةُ ، كما يعلمُ أيضا أنَ هكذا شعوبُ لاوعيِ لديها بالحريةِ وهيَ شعوبٌ عاجزةٌ عنْ إنتاجِ دولٍ ، فالثورةُ بالنسبةِ لهُ هيَ الشقوطْ إلخْ نحو الفوضى دائما وليستْ طريقةً لإنتاجِ الدولةِ . . منْ هنا فغالبا ما تكونُ قضيةُ المثقفِ هيَ الحريةُ وليستْ الثورةَ ، حيثُ يدركُ أنَ الثوراتِ بدونِ وعيٍ بالحريةِ لنْ تقضيَ على الظلمِ في نهايةِ المطافِ ، بلْ ستغيرُ منْ هيئتهِ فحسبَ وستستبدلُ شخوصهُ ومظاهرهُ . . فالمثقفُ يفهمُ جيدا أنَ الوعيَ بالحريةِ هوَ وحدهُ بمقدرودْ أنْ يكبحَ جماحُ الظلمِ ، لأنَ الوعيَ بالحريةِ هوَ وعيٌ بالدولةِ وبالقانونِ ، والقضاءُ على الظلمِ لا يكونُ إلا بنظمٍ ، وبشبلِ قانونيّ يخلفُ عليها الإنسانُ قيمةَ الاعترافِ والاحترامِ