محمد السيد محسن
——
كتب مظفر النواب قصائد بحق كل الثائرين الذين عاش معه وعايش سيرتهم , وسمع عنهم , واما الثوار الذين اكتظت بهم كتب التاريخ , فقد استعار منهم سيرتهم ومواقفهم , وضمن قصائده ببعض ابياتها.
وكان يتغنى بعلي بن ابي طالب , ويعتبره احد معالم العدل , وايقونة العراق عبر مرقده المقدس في الغري.
حيث يعد الامام علي هو اول من نقل الخلافة الاسلامية خارج جزيرة العرب وجاء بها الى الكوفة , لذلك قال فيه مظفر في قصيدة “وتريات ليلية” – الحركة الاولى :
للخط الكوفي بإفريز جوامعها
لشوارعها
للصبر
لعلي يتوضا بالسيف فبيل الفجر
أنبيك عليا
مازلنا نتوضأ بالذل ونمسح بالخرقة حد السيف
مازلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف
مازالت عورة عمرو بن العاص معاصرة وتقبح وجه التاريخ
مازال كتاب الله يعلق بالرمح العربية
ما زال ابو سفيان بلحيته الصفراء
يؤلب باسم اللات العصبيات القبلية
مازالت شورى التجار ترى عثمان خليفتها
وتراك زعيما سوقيا
لو جئت اليوم لحاربك الداعون اليك
وسموك شيوعيا
—–
وكنت دائما اتساءل في داخلي : لماذا ركز مظفر النواب على شخصية علي بن ابي طالب فيما لم يركز على ثورة الحسين ؟
لأن الحسين بالنسبة للفكر الشيوعي اليساري يعد اهم بكثير من مواقف العدالة والحزم التي اشتهر بها علي بن ابي طالب.
ولم اجد اجابة على هذا السؤال , ولم اسأل مظفر , وكنت اعتقد ان مظفر النواب يستجلب التاريخ , وكان يعتبر علي بن ابي طالب ايقونة عربية اولا ثم عراقية , وقضية فيها الكثير من احداث الغدر التاريخي حيث وقف هذا الرجل بوجه المعاناة التي حاصرته من قبل من يفترض ان يقفوا معه , الا انه صمد على مدى طويل من حياته , اما الحسين فلم يترك الا ثورة واحدة , فيها المظلومية , الخالدة التي بقيت .
لكن مظفر وبعد احتلال العراق وحصرا عام 2004 كتب قصيدة عن الامام الحسين , وجسد فيها الصور الشعرية المثيرة , والوصف الذي اعاد الى الاذهان اكتظاظ الصور الشعرية البهي في ذهنية مظفر الشعرية … في هذه القصيدة استخدم مثلا :
ولست ابالغ انك وحي تأخر بعد الرسول
فكم كنت يوم الطفوف وحيدا
ولم يك اشمخ منك وانت تدوس عليك الخيول
بكى الله فيك بصمت
وتم الكتاب
فدمعك كان ختام النزول
وارتاب في نفسه الموت مما يراك بكل شهيد
فأين ترى جنة لتوازي مقامك
هل كنت تسعى اليها حثيث الخطى
ام ترى جنة الله كانت تريد اليك الوصول
تستمطر الله قطرة ماء
——
تلك كانت صور مجتزأة من القصيدة , وفيها من البلاغة والنظم الكثير , حيث اثبت مظفر انه ورغم ما كان يعاني من مرض “الباركنسون” , وهو الارتجاف , الا انه كان قوي البصيرة الشعرية , ووصف كربلاء ب “عاصمة الله ” حيث انه وكعادته في كل قصائده دائما يحجز للعراق مقعدا اماميا للقارئ والسامع , فعكف على العراق في القصيدة , وكان العراق يومها خرج من حصار ودخل في احتلال :
اما العراق فينسى
لأن ضريحك عاصمة الله فيه
وطني رغم كل الرزايا
يسل على الموت كل صباح
ويغمد في الحزن كل مساء
وينهض ثانية والصباحات بين يديه
بطاقات عرس
وتبقى الثريا
معلقة فوقه
اسوة بالثريات فوق ضريحك
كأن العروبة لا ترى كيف يحتز رأ س العراق
وكيف تقطع اوصاله
——
اعتقد جازما ان الزيارات المهيبة للامام الحسين واحياء ذكرى عاشوراء وذكرى الاربعين هي التي هيجت بنفس مظفر النواب رؤية قصيدة عن صاحب الذكرى , ولكي يكون متميزا في رؤيته , جعل من الحسين بداية قضية في القصيدة ليدخل من خلالها الى احتلال العراق وصبر العراقيين , وعدم اكتراث بنو عمومتهم , بحيث انهم لم يتدخلوا لانقاذ العراق من براثن الاحتلال , في وقت كان العراق حاضرا في كل الثورات العربية , فما مقبرة العراقيين في جنين منذ عام 1948 , وتواجد العراق في الجولان والضفة وارتيريا ولبنان وغيرها من الوقفة العراقية التي عرفت بطولة العراقيين كوقفة ثورية عروبية اصيلة , ما كل تلك الا دليل على غيرة العراقيين بالدفاع عن اخوتهم واحساسهم بالمسؤولية الفردية والشعبية ازاء قضايا امتهم , بيد ان العراقيين لم يصلهم من العرب بعد الاحتلال الا المتشددون الذين تسربلوا بفعل الفتاوى المتشددة , وبدأوا يقيسون العراق بمقياس الطائفية وليس بمقياس التاريخ والفضل الكبير الذي قدمه العراق الكبير لكل العرب.
مظفريات كربلاء / عاصمة الله
(Visited 35 times, 1 visits today)