نوري جاسم – باحث عراقي
البيت الواسع الكبير في بغداد يهدم ليحل مكانه عدة بيوت أو شقق مقسمة بمساحات صغيرة، هذه الجريمة ترتكب بحق بغداد ، فتصبح اربع او خمس بيوت كبيرة بمساحه 600 متر أو 1000 متر ، عبارة عن حي صغير معدل مساحة البيت الواح 40 متر ، وهذه جريمة ترتكب بحق بغداد العاصمة ، وهي تتعرض إلى أكبر عملية تشويه لصورتها الجميلة عبر التاريخ الحديث ، قبل بضع سنوات كانت شوارع بغداد تضم عشرات آلاف المنازل الكبيرة التي تزيد مساحة البعض منها على ألف متر مربع او 600 متر او اقل قليلا أو اكثر ، حتى أنها اتخذت مستقرا جميلا للألأف من العوائل البغدادية في مركز الكرخ والرصافة ، غير أن الزائر لشوارع بغداد اليوم يلاحظ اختفاء معظم تلك المنازل الضخمة ، وتحولها إلى بيوت صغيرة يربو مساحة بعضها على 40 أو 50 مترا مربعا، فتغير شكلها وملامحها وحتى سكانها الأوائل ، الذين قرر الكثيرون منهم بيع منازلهم والهجرة نحو المنافي البعيدة ، بحثا عن الأمن والأستقرار والخدمات ، مما دفع الآلاف من العوائل بيع منازلهم في “المناطق” المجاورة، لأسباب من بينها الاستقرار الذي تعيشه مقارنة مع مناطق أخرى ، وقاموا ببيع منزلهم السابق الذي كانت تبلغ مساحته 150 مترا بـمبلغ حول 150 مليون دينار (100 ألف دولار) اكثر او اقل، واشترى آخر في منطقته الجديدة في مركز العاصمة بالمبلغ نفسه رغم أن مساحته تتراوح بين 50 أو 40 مترا مربعا، ويقوم المنزل الجديد على أرض كانت تضم قصرا تبلغ مساحته أكثر من 1500 متر مربع اكثر او اقل ،
غادر أصحابه البلاد وقرروا بيعه لإحدى الشركات، التي قامت بهدمه وبناء بيوت صغيرة مكانه وبيعها، حتى أصبح المكان يشبه حيا سكنيا مصغرا، يكتظ بالسكان والبنايات، وقد دفعت الاضطرابات الأمنية التي عاشتها مناطق ببغداد في السنوات الأخيرة كثيرا من الأهالي إلى تغيير مناطق سكناهم، بحثا عن مناطق أكثر استقرارا وانسجاما من الناحية الاجتماعية ، حتى لو تحملوا في سبيل ذلك خسارة مالية بسبب الفرق في أسعار العقارات بين المناطق المختلفة ،
وتشهد كثير من الأحياء البغدادية الراقية تحولا وتغيرا كبيرا في شكلها وطبيعتها، بسبب هدم البيوت الكبيرة وتقسيمها إلى بيوت أصغر مساحة، مما ينذر بنشوء أحياء كاملة وأزقة صغيرة بداخلها تسمى زقاقات، وهنا نتساءل اين دور أمانة بغداد من موضوع تقسيم الوحدات السكنية ؟ لانه أصبح أمرا واقعا بسبب تراكم المشاكل المتعلقة بالسكن والخدمات، وعدم قيام الدولة لفترات طويلة ببناء مجمعات سكنية أو توزيع قطع أراض على المواطنين. كل ذلك دفع الأهالي إلى تقسيم هذه المساحات بعدما زاد عدد أفراد الأسرة الواحدة، رغم أن القانون العراقي لا يسمح بتقسيم الوحدة السكنية إلى أقل من 200 متر.
أن ما يجري اليوم مخالف للقانون ، لذا فإن الأمانة المفروض لا تمنح إجازات البناء لمثل هذه المنازل، وأن هناك غرامات مالية وعقوبات يفرضها القانون على المخالفين ، لكنها على الأغلب غير مطبقة ، وان الأمور تجري بنوافقات بطرق أخرى غير شرعية، وهذه االطريقة من البناء تجبر أصحاب البيوت الجديدة على فتح منافذ متعددة على الماء والمجاري والكهرباء وهو ما يؤدي إلى زيادة الضغط على البنى التحتية وتضررها، كما يؤدي ذلك إلى زيادة تشويه المعالم الحضرية لمدينة بغداد وتغيير شكلها على المدى البعيد ، بيوت قديمــــــــة في بغداد يجري هدمها وتقسيمها الى قطع صغيرة لغرض بيع الأرض والبناء عليها باسعار “جنونية” وقد ارتفعت أسعار الأراضي في بغداد خلال السنوات الأخــــــيرة بشكل يصفه البعض بـ”الجنوني”، وخاصة في المناطق التجارية ، التي تضم مؤسسات حكومية كالمنصور والكرادة والحارثية والصالحية وغيرها ، اين دور أمانة بغداد في موضوع التخطيط الحضري للعاصمة ، ومن يعطي الموافقات لبناء هذه الدور الزقاقات خلافا للتعليمات ، يجب العمل على أيقاف هذه الجريمة التي ترتكب بحق عاصمتنا الحبيبة بغداد ..