صاحب خوام
شيخ وقور يعتمر العمامة البيضاء لحيته المشذّبة بعناية فائقة أصغر من قبضة كف لونها أبيض تشوبهخطوط رمادية تزيد من سيماء هيبته، لون جبّته وعبائته تشبه لون لحيته، تقدّم إلينا بهدوء ويده تديرحبّات سبحته الطويلة، كنّا نجلس أنا وابن عمي في دكّان عمي القديم ذو الدهنتين قرب باب القبلة فيشارع الرسول، ألقى الشيخ السلام بصيغته الكاملة ثم أردف؛
— اللهم صل على محمد وآل محمد، ليش بويه لسّا مامعلّقين لافته او صورة، تدرون باچر ميلاد السيدالرئيس وآني ماأقبل تجيكم او تجيني حچايه، انتو تدرون اني مسؤول المنطقة، مرّت برهة صمت ثمأكمل آني داخل أزور، من أطلع اريد كلشي تمام، ثم انخفض صوته وهو يصلي على النبي ثانية بخشوعوتقوى واستدار متجهاً نحو الحرم تلاحقه كلمات ابن عمي صار شيخنا تأمر شيخنا ..
أفلتت مني ضحكة رغماً عني وأنا اشاهد كوميديا نادرة قمعها ابن عمي بنظرة شزر وعضّ شفته السفلىبشدّة دلالة خطورة ان يسمع شيخ الأمن هذا منّا شيء .. على الجانب المقابل من الشارع كانت تدورمشاجرة بين رجل الامن وبائع الشربت الذي علّق لافتة قديمة وسخة بعد ايام من المماطلة تقول اللافتة( ١ آيار عيد سعيد)
— شنو انت مطي لو تستمطي؟
أجاب البائع متظاهراً بالبلاهة والغباء
— ليش عمي هذا الحچي؟ قلت لافتة خلينا لافتة
— أگلك عيد ميلاد السيد الرئيس تخلي ١ آيار
—هيّ كلها أعياد بويه شنو الفرق يعني ..
بعد يومين ذهبتُ الى بيت عمي ظهراً كان الطقس قيضاً شديد الحراره، فتح عمي الباب كان يرتدي لباساًفقط، لباسه كلباس الأغلبية وقتها خام أبيض طويل يصل الى ركبتيه، من عادته في الصيف حين يعود مندكّانه يبقى باللباس فقط فيتناول غداؤه وما يعقبه من رقّي ولبن، حين استدار ودخلت خلفه شاهدتمكتوباً على لباسه من الخلف (يحيا البعث)، كُل فردة تحمل كلمة، دهشتي أخرست ضحكتي، علمتبعدها اني عمي كان يقوم بتفصيل لافتات الحزب المفروضة عليه ويفصّلها لبساناً بعد انتهاء المناسبةإمعاناً في احترام الحزب ومبادئه العظيمة ..
