نادية الكتبي – كاتبة عراقية
طاحت المبادئ الرنانة في المثاليات الصاعدة في عصرنا هذا وانحدر المجتمع ليتمثل بحكمِ هابطة تنتشر في بيئتنا ما بين الصغير الكبير، العاقل والمجنون كالجراد لتأكل وتمسح كل ماربينا عليه من قيم تعلمناها منذ الصغر. وبكل وقاحة تقوم بعض طفيليات المجتمع بمقارنة علنية بين الحكم والامثال الأزلية بعكسها، بل وبالتحفيزعليها مستخدمين منصات التواصل الاجتماعي لسرعة الانتشار والعدوى. زمنً باتت فيه القوة سطوة وغاب فيه القدوة.
لطالما كنا ننظر لآبائنا وامهاتنا وعلمائنا ونقتدي بهم، بل نقتدي بتصرفاتهم الحكيمة وكلماتهم الفذة. وان كنا بالصغر لم نتخذها منهجا لصغرنا انما اتبعناها سراجا في الكبر وصارت هذه الكلمات والتصرفات ميزانا لأفعالنا وافكارنا وترسم أصحابها الاجلاء قدوة ومثالا صالحا لنا. وبهذا كان الذي يسلك طريق الصالحين وعلماءالدين والعلوم وحكماء المجتمع يعتبر انسان سوي مهذب ومؤدب يخطو خطى الصالحين.
اما في زماننا هذا فلا وجود لهذه الأفكار الا ما ندر ولا وجود لهذه السلوكيات المنهجية في ظل تربية النفس وتهذيبها، بل باتت القوة والسلطة والصوت العالي الارعن هو المهيمن على مجتمعاتنا. ومن يهيم وينادي بالمثاليات صار الانسان الضعيف الذي لا صوت له، بل يعتبر سخيفا من الزمن القديم وغير مرغوب فيه بمجتمعاتنا. صار المؤدب مُمل في اجتماعاتنا والمحترم انسان ضعيف لا رأي له والطيب ساذج والانسان الملتزم أحمق بامتياز. امر مثير للجدل ويستحق الصحوة من كبارنا العقلاء في مجتمعاتنا الصغيرة من اجل النهوض وإنقاذ بعض مما بقي من مبادئ وقيم أساسية ترقي عقولنا وترتفع بمجتمعاتنا من حضيض السيطرة والتهكم والتسيبالى الرقي والتحضر.
أسفٌ شديد على مجتمعات كانت تُعتبر الارقى بالتزامها بمعايير الاخلاق الحميدة راس مالها المحبة الصادقة وخزينتها العمل الطيب. ولكن جيء ببعض المرتزقة مما هب ودب الى مجتمعاتنا المحافظة لتعبث بعقول شباننا وفتياتنا وبدأت باستفزاز المشاعر الهشة لتثير مفاهيم القوة والكراهية والانانية بين الناس وتجرأت على نشرها بمواقع التواصل الاجتماعي وصارت الناس تستخدما كحكم وتهديها لبعض. فكم من مرة استلمت عبرة تنادي بالا مسامحة؟! كم من مرة قرات عبارات بحب النفس والانانية وقطع الرحم واللامبالاةللناس لأنها لا تستحق. أنها ليست تجرؤٌ فحسب، بل وقاحة بالتهكم على مبادئ الإنسانية. وأجهل كيف انها استمرت بالانتشار ولم نوقف نشرها والحد منها.
وهذا الأسف لا يتجلى بالفردية فحسب انما يشمل الحكومات الساقطة التي لا تعير اهتماما بأمور المجتمع وتلهو بتجميع السلاح لقتل البشر. من جهة اخرى أسفٌ على شعوب تعرف الانتفاض على لقمة الخبز ولا تعرف الثورة على الفساد، فساد فردي وأسري فساد مجتمع باسره. فلننظر لمن حولنا فلنتمحص بهواتفنا وننتفض على كل من ينادي بقطع المعروف علينا ان ننهر كل من يرسل لنا هذه العبارات المنادية بالرذيلة. فالثورة الناجحة تبدأ من النفس أولا ثم البيت والعائلة والمقربين. كبارنا عليهم إعادة تقييم الأولويات في حياتنا. يحاول المسيئوون لمجتمعاتنا ان يشغلونا بالجوع والحروبعن الأمور الأخلاقية الجوهرية والتربوية. ها هم أطفالنا يحملون الهواتف الذكية ويدمنون على الألعاب المدمرة لنفسياتهم وعقولهم.. وها هن السيدات تعمل ليل نهار مع الرجال ليساهموا في لقمة العيش. لا وقت للمطالعة ولا للحديث العائلي. اين باتت سهرات الادب والشعر في البيوت؟ اين جلسات القران وتعلم الحديث؟ كلها اندثرت تحت عنوان (لا وقت لنا) نعم لا وقت للرقي والترقي بأفكارنا انما على عوائلنا ان تعمل وتعمل لساعات طويلة. وغابت في العوائل القدوة التي تامر بالمعروف وتحل المشكلات وإذا نصحت يسمع لها، بل يقدس كلامها.. وهذا هو اسوا ما حصل في مجتمعاتنا.
الى متى هذا الانحدار؟ لِم تقبل العقول الحكيمة في مجتمعاتنا بالسكوت والرضوخ لحثالة من المنحرفين الشاذين بنشر امراضهم الموبوءة؟ لم لا نثور على الواقع المريض الذي يرفض الطيبة والاحترام.. أتساءل لأني افتقد بشدة القدوة في زماننا. نعم قد غابت القدوة في زمن السطوة