د.ياسر تركي – كاتب عراقي
* غانم حميد يبحثُ عن غير العادي في العادي فهو يعرِض المواضيع برؤيتهِ الإخراجية المتفردة لإثارة المُتفرج ومُساعدته على التعمّق في جوهر الأحداث التي تجري في بلدهِ بفنتازيا وغرائبية مُحيرة وصولاً إلى الإدهاش والصدمة بعد النفاذ عميقاً في جوهر العلاقات الإنسانية .
لاشك في أن الصراع هو المبدأ الخالد للمسرح منذ أرسطو / والصراع في مسرحية ” ذا هوم ” ثقافي / أخلاقي في عالمٍ يسودهُ المال وتغيب فيه القيم الإنسانية النبيلة بحيث يصبح فيه النساء بضاعةٌ في المزاد يُرافق ذلك قلق الرجال أمام حريتهم وحقهم في الحياة .
أعتقد أن مسرحية ” ذا هوم ” إضافة جديدة وجريئة في تأريخ المسرح العراقي لإنها فضحت جذور الشر وأسبابه من خلال دراما جديدة ومسرحٌ ثوري جديد يدعو إلى جمالية المشهد المسرحي .
يقول بريخت : ” إذا أردت تحديد قيمة عمل ما ، فيجب أن نتساءل : ماهي الأهداف الكبيرة التي يُنشدها ؟ دون أهداف عظيمة لاوجود لفنٍ عظيم ” .
في هذه المسرحية ( التي منعت من العرض منذ سنوات مضت ) نلحظ توتراً درامياً بهدف تحفيز المشاهدين عبر تقييم موضوعي للعصر المضطرب المتشظي أخلاقياً وقيمياً من خلال بيتٌ / وطن مُكون من ثلاث شخصيات :
. رب الأسرة ( الزوج ) الفنان محمد هاشم الذي شكّل طاقة فنية وتعبيرية هائلة .
. الزوجة ( محور العمل ) الفنانة بيداء رشيد التي أضفت على العمل سحراً فنياً عبر أداء متقن ورشيق .
. الأم الفنانة هناء محمد مُعبرة عن قُدراتٍ فنية مبدعة بدفئها وإجادتها لدور الأم التي تمثل الحياة كما في دورها في مسرحية ” نورية ” ٢٠١٥ تأليف وإخراج د.ليلى محمد .
الكُلُ يبحثُ عن النجاةِ الفردية دون الإكتراث بالمصير الجماعي ويعبر عن ذلك بطاقية الإخفاء .
حاول بعض النُقاد تسطيح العمل بإنتقاد الدور السلبي للزوج بوصفهِ ممارساً لفعل السمسرة ( القوادة ) لغرض النجاة من الذبح ؛ ولكن نتساءل هنا ألم يُمارس رب الأسرة الحاكم السابق للعراق نوري المالكي فعل القوادة على الوطن عندما جعل أبواب المناطق الوسطى والغربية من العراق مُشرعةً بوجهِ الأرهاب الحاقد الشرس عام ٢٠١٤ وماتبع ذلك من قتلٍ وإغتصابٍ وتدمير / ولم تسلم مناطق كردستان ( التي تمثلها الأم – هناء محمد ) من إنتهاكات صادمة .
في الحقيقة ” The Home “أو الوطن عمل مهم يتبنى التعابير الصوتية المؤلمة والتعبير الجسدي وأوضاعه للوصول إلى التأثير الإيجابي في المتلقي
إنه بيتٌ / وطنٌ بِلا جُدران أو أسوار تحميه وتصون كرامته ، وبِلا أثاث / وطنٌ مُتحرك غير ثابت الأتجاهات والرغبات والميول ( فكرة الديكور لغانم حميد ايضاً ) .
المُثير للإنتباه هو الرؤية الإستشرافية المستقبلية إذ نلحظ في مشهد معبر الرجل الغريب ( يرمز للإحتلال ) الفنان الدكتور مظفر الطيب يُغادر المنزل ويترك خلفهُ الباب مفتوحاً على إحتمالاتٍ ومخاطرٍ جمة قد تعصف بالوطن .
يبدأ العرض بثلاث توابيتٍ وينتهي بصراعٍ يخسر فيه الجميع من خلال حرب إستنزاف داخلية بإستخدام السيوف في رمزية إلى قِدّم أصول هذا الصراع الذي يستدعيه الغزاة من الزوايا المُظلمة في التأريخ .
من خلال مسيرتهِ الطويلة مع المسرح التي بدأت عام ١٩٨٩ مع مسرحية ” هذيان الذاكرة المر ” المثيرة للجدل سعى غانم حميد إلى التحرر من سجن البنية الدرامية الأرسطية من خلال إقامة مسرح مستقل فلسفي في روحهِ ورهاناته أسمهُ (( المسرح الغانمي )) هدفهُ الأساس التعبير عن الخطر الأكبر الذي يُهدد إنسانية الإنسان عبر قواعد جديدة لأللعبة المسرحية .