د. جبار خماط حسن _ كاتب ومؤسس العيادة المسرحية
غانم حميد مخرج محترف يعرف اسرار العرض المسرحي وكيف يصل إلى الجمهور بمسافة الصدمة التي تشعل لهيب التلقي رفضا أو قبولا ، لانه يبحث عن المسافة الجمالية التي تتذكر الواقع أو تبعده ، يحققها البعد الأسلوبي المعالج للفكر الموجود في النص اليومي أو الكتابي ، ولهذا ( ،،The home) ليس نصا بريئا بل مفخخ ، فالطريق إليه وعرة قد تؤدي بك الى هلاك المعالجة . فهو ليس نصا للزيدي ولا نصا لغانم حميد بل هو نص الحياة التي تسرد يومياتها من دون رقابة لفظية حكيمة ، ولنقرب المعنى .. لو سرت في شارع مكتظ بالناس ، قطعا ستجد نسبجا غير متجانس من الألفاظ بين الحدة أو النعومة , بين المقبول وغير المقبول , ولهذا لا يمكن أن تسجن الالفاظ من شارعها .. لانك بهذا أشبه من يريد أن يلقي القبض على الهواء ..ولهذا استند غانم حميد ، في معالجته الاخراجية على مقولة مركزية في الفلسفة الظاهراتية اجدها مناسبة لقراءة عرض مسرحية ( The home)
– التعليق الظاهراتي مفهوم لوحده ( ادموند هوسرل ) يرى الفن بمنظور مغاير عن السابق ، إذ يقول : بإمكانك أن تقتطع من تيار الحياة ما تشاء ، تجعل منه مادة الاشتغال في عملك الفني ، هذا التعليق يجعل المخرج أشبه بالجراح الذي يحقق نجاح العملية بمشرطه بعد عزل المريض عن تيار الحياة التي تمشي من دون توقف ! طبعا باستعمال المخدر يتوقف المريض بوصفه ظاهرة للفحص ؛والجراحة، الذي سرعان ما يعود إلى الحياة بعد زوال المخدر ، كذلك المخرج غانم حميد ، اشتغل على الحياة بعد مراقبتها ، اقتطع منها مقطعا مريضا يعاني من اضطرابات سلوكية لا تقترن بالمقبول وغير المقبول , أو الجائز أو غير الجائز ، إذ حين يقترن العرض بالجاهز اليومي ، وعدم مغادرته، فإنه إعلان بالموت بانتظار ختم شهادة الوفاة للفن ، ومحاولة الإسراع بدفن جثته !
ما وجدته في عرض ( The home) نوع من المقاومة الجمالية لكل ماهو غير متناغم وغير جميل في الحياة ، بهدف تحويله إلى نسق جديد قوامه الدهشة وأدواته عناصر الفن البصرية والسمعة والحركية .
هل كان غانم حميد جراحا فنيا ناجحا ، جاء بالمقطع المريض من الواقع بكل حمولته الصادمة أو غير المقبولة في الحياة ؟ هل يجوز للمبدع ما لايجوز لغيره ؟
هل انطلق المخرج من فرضية : ما حدث ويحدث فتنة نائمة ملعون من ايقظها ،؟ ! أذ ليس اعتباطا أن يبدأ العرض بشخصيات نائمة أو ميتة وثمة شخص يوقظها بطريقة مستفزة ! ، وهنا منظق الاخراج / الجراحة الفنية ، والشخصية المستفزة بكسر الزاي – / مظفر الطيب هي كائن شبحي يدخل ويخرج متى وشاء وأنى شاء ، لان الوطن / The home كان هادئا مسالما وحميمي ، لولا التدخلات المبرمجة / المريضة ، جعلت من وطننا مستباحا لا يقين فيه ، لان مساحة التشويش عالية ،ولهذا تعزيز عدم اليقين في إيجاد لعبة أشبه بالمتاهة ، طاقية الاخفاء هي استعارة لمفهوم الذكي الذي يتمكن من الخروج منها ،بمعنى العرض يطرح سؤالا ضمنيا مضمرا : من يخلص الوطن من المتاهة ,؟ الابن ام الزوجة ام الأم ؟ هل نتقدم أم نتأخر في مفهوم الجائز وغير الجائز ! الوطن يستغيث ونحن في الرطانة غارقون !
هكذا يطرح لنا غانم حميد مفهوم العرض المسرحي بوصفه واقعة قابل للجدل المتوالد بين الذات وقيمها ، وبين العرض وقيمه ، فمركب الذات هو يقين العمر بأكمله ، اما يقين العرض فهو عمر افتراضي يصنعه المخرج ، تتعدد فيه الأزمة والأمكنة ،في الحياة لا يشاركك أحد فيها ، لكن حياة العرض المسرحي شرطها مشاركة الجمهور فيها ، ولهذا من شرطية التقلي المسرحي العليم هو تأجيل القناعات الجاهزة التي تعلمناها في الحياة ، والنظر إلى العرض المسرحي حياة مفترضة ، يصنعها المخرج ، تشتغل بمفهوم نفي النفي ،الذي تناوله هيجل في تفسيره للفنون ،اذا تكون الرؤية الفنية هي نفي للواقع ، / نفي أولي ، ويكون تحويل الرؤية إلى معالجات مسرحية ، هي نفي لها ثاني ، لذا جسد.العرض هو اقتطاع من جسد الحياة ، يكون جزءا يعادل الكلية ،اي ما قدمه غانم حميد ، خبرة فنية اقتطعها من الحياة ، وبعد المعالجة الفنية ظهرت على نحو جديد صادم، يزيح القناعات الجاهزة ،وهو ما نجح فيه ، أن ما شاهده الجمهور من شخصيات داخل البيت / الوطن ، هي احتمالات لخلاص الوطن من ازماته، وطاقية الاخفاء هي معالجات فردية متقاطعة ، لا تؤدي إلى نجاح العملية / الجراحة الجمالية ،لذا يبقى الحال على ماهو عليه في نهاية العرض حين عادت الأجساد للنوم !
The home = الوطن
الرجل + الزوجة +الأم = محاولات فاشلة لتخليصه من أزماته
الرجل – السمسار = تدخلات خارجية وداخلية جعلت الوطن مريضا
الاخراج = تدخل جراحي فني ، لتقديم رؤية صادمة لفاجعة الواقع المعاش .
السينوغرافيا =تجريد مع خطوط هيكلية للوطن ، سمحت للرجل / السمسار الدخول من كل الجهات ما عدا الباب !
النص = دعامة أولية لتعزيز واقع تواصلي صادم بين الشخصيات ، يمزج اللهجة بالفصحى ، لإعطاء طراوة وإيقاع أدائي نجح الممثلون في ضبطه وتفاعله مع الجمهور .
مهارات ادائية : هناء محمد ومحمد هاشم وبيداء رشيد ومظفر الطيب ومحمود شنيشل ، امتازوا بالمرونة الإدائية مع طاقة تحكم بالصوت والجسد بوصفهما مرسلتان أساسيتان في عملية استقبال الجمهور. ، تناسق وتناغم الأدائي أعطى للعرض مساحة تفاعل مع الممثلين في وحدة شعورية وفكرية .