نادية الكتبي – كاتبة عراقية
تتميز المجتمعات المحافظة عن غيرها بالتطرف أحيانا، مما يولد الكبت والحرمان. وبسبب جهل بعض أولياء الأمور واستخدامهم لعبارات العيب والحرام من دون شرح وتفسير تشتعل النفوس حرقة لتذوق هذا الممنوع. ويشدهم الفضول للتعرف على المحرمات فتنحرف بعض الأبناء عن الطريق الصحيح.
تعرف هذه المجتمعات بالصبغة الدينية على اختلاف الأديان. لكن الأهم من ذلك انها جميعا تحاكي المجتمع بقاعدة الممنوعات والمسموحات. علما بان كل الأديان تمثل المحبة وتنشر التسامح بين الناس. لكن بعض فقهاء الأديان المتطرفين يلجؤون لتعقيد الأمور.. وللجهل النصيب الاكبر بزرع الحرمان والكبت في الأجيال النامية. فيقال للطفل هذا تصرف ممنوع بهالة من الرعب. وان حاول هذا الطفل المساءلة عن سبب المنع او التحريم سوف يعاقب من قبل الاهل. وهذه الحالة تعد من أحد الأسباب الأساسية في زرع حالة الكبت والحرمان في نفسية الفرد التي ستنمو معه الى ان تتفجر. وهناك نوعين من الانفجار: اما انفجارا إيجابي بوعي الفرد واما انفجار فتيله انحرافي فيشتعل في النفس فتيلة الفضول ليحرق المبادئ ويهم الفرد بالسقوط. والعنصر الأساسي بهذه الحالة النفسية هو السرية المطلقة بالتفكير والتصرف. فمن الملاحظ ان بعض افراد هذه المجتمعات المحافظة يمارسون الشذوذ بكل اشكاله بسرية تامة بين الافراد المتوافقين على الحرمان. وجدير بالذكر ان هذه الشريحة من المجتمع تدعي المظلومية من قبل المجتمع. وهذا الادعاء فيه من الصحة القليل. لان هؤلاء الافراد ظلموا بالجهل. فلو انهم عرفوا حقيقة وسبب الممنوع لمنعوا منه .
لذلك لاحظنا في العقدين الأخيرين من تاريخنا المعاصر بلدان عربية كانت تعرف بمحافظتها الدينية والاجتماعية، ولكن بسبب الحرمان الذي كان يسري فيها لمئات السنين انفتحت انفتاحا من دون حدود حتى انحرفت باسم التحضر والانفتاح. فلاحظ المراقبون عن كثب تغيير القيم والمبادئ بشكل سريع من الثريا للثرى. ولكن المحللون في حقل علم الاجتماع وجدوا ان هذا التغيير السريع عبارة عن كبت مبادئ وقيم مغايرة تماما لما ترعرعوا عليها. وعندما حانت الفرصة اجهروا واظهروا ما بدواخلهم بحجة التطور والتحضر. علما بان مبادئ التحضر والتطور مبنية على أسس الاخلاق والنظام وإقامة الحدود ما بين افراد المجتمع. فاذا نظرنا الى مجتمعات البلدان المتحضرة نجد كل أسس الدين فيها من صدق واخلاص واحترام الخصوصية والعمل التطوعي وعمل الخير.
فيعتبر أبناء تلك المجتمعات المحافظة (قديما) ان سلوكيات الافراط بالترفيه الى الحد الأقصى، بل لحد الشذوذ تحضر وتطور. بينما هذا الأمر نفسه مرفوض وناشز في الدول المتحضرة. ومن الواضح ان الافراد قد تعلقوا ببعض ممارسات غربية قد فعّلها الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي ونسبوها للغرب وقد اغمضت عين عن الممارسات الحقيقية والواقعية التي يعيشها الغربيون والتي قد تعتبر مثالا يحتذى به وتنفع مجتمعاتنا. فمن الظلم على سبيل المثال ان يظهر الاعلام جمال الجبال الخضراء في الغرب من دون اظهار حقيقة البرد القارس وغياب الشمس عنها. لذا يحاول أبناء المجتمعات المحافظة النظر الى الغرب بعين الاعجاب وكأنها جنان الخلد. لكن عند محادثة المغتربين يشعر المتحدثون بان الصور الجميلة عن الغرب تتمزق ببرودة المشاعر وقسوة المناخ وضياع الوقت بالتنقل بالمواصلات.
وان دلت هذه الحقيقة على واقع فهي تدل على تنوع الحضارات ومبادئها الحميدة والاخلاق المثالية وان كل منها أيضا يتشح بسواد السلبيات الخاصة بجغرافية المكان وطبيعة الشرائح الاجتماعية فيها. وليس من الصحة ان نقارن ونقلد بين بيئة وأخرى، بل من حق الشعوب الاقتداء بالأفضل بأي مكان في العالم والعمل على تطوير الفرد والمجتمع بالعلم والفن والعمل المجد والبحث المستمر للارتقاء لمجتمع أمثل. فالمجتمعات الغربية صنفت بالحضارة لعلومها وابحاثها واحترامها للقيم والمبادئ الإنسانية. نعم ليس لأنها الغرب ولا بسبب الفجور والفساد. فمن كان فاجرا يقضي وقته بالفساد لا يتساوى مع العالم والباحث لإيجاد علاج للأمراض المزمنة او حل لمشاكل البيئة على سبيل المثال.
من هنا علينا ان نلتفت الى تربية أبنائنا وكيف نتكلم معهم وكيف ننبههم بما هو تصرف غير صحيح ونشرح لهم مفاهيم العيب والحرام بدقة. وهذا كلام موجه أيضا لكل المؤسسات التربوية من معلمين وأساتذة الى علماء الدين. من حق كل فرد ان يفهم ويتفهم حقه ومسؤولياته في بيته ومجتمعه. فالحرمان ما هو الا وسيلة للانفجار.