د. جبار خماط حسن – كاتب وناقد ومخرج عراقي
حين يكون الجلوس طوال العرض وسيلة مسرحية ، هل تضمن تفاعل الجمهور معك ؟ تحد كبير او مغامرة تتطلب ليس شجاعة عنترية ، بل إدارة راشدة لعناصر العرض المسرحي ! تعود الجمهور العراقي على الحركات الانفعالية والأصوات العالية ، والوان الطيف وأبو الطيف يضعونها على خشبة المسرح ، لأنهم انطلقوا من المثل الشائع الكثرة تغلب الشجاعة ، ولهذا يكثرون من كل شي حتى لا يكون لأحد القدرة على لملمة الشتات الصوتي والبصري ، لكن ما جاء به عرض ( ميت مات ) للدراماتورج على عبد النبي الزيدي قلب الموازين ، واطاح بفكرة ( ضع كل شي على خشبة المسرح ، تضمن كل شي ) ما رأيناه أو سمعناه – على نحو أدق- اختزال وتكثيف بليغ ، وكأنه جملة شعرية , ,عميقة الدلالة والاثر ، ولكن لو اعطينا فرضية : ماذا لو كان العرض دراما إذاعية ، هل يتغير شي ؟ لان الساكن الصوري ، حركه المتحرك السمعي / إلقاء الممثلان ، من دون تغيير في الصورة أو البناء السينوغرافي للعرض ، أو البناء المشهدي ، فلا ايقاع بصري متحرك أو ينتقل من حال لآخر ، بل وجدنا ايقاعا سمعيا ينتقل بين الكلمات ، قصيرة البنية ، عميقة الدلالة ، سمحت للممثلين – بفتح الباء – أن ينجحا في الالقاء ، مع توقف شبه تام المرسلة الجسدية ! ولو عدنا إلى المعلم الاول ( أرسطو) حين عرف الايقاع تعريفا بليغا ، يكاد يكون علامة أو دليل المشتغلين في الحقل المسرحي ، يعرف أرسطو الايقاع : توزيع الزمان على المكان ! بمعنى كل شي يتحرك في فضاء مكاني فهو ايقاع حسي يتغلغل في داخلك فتنجذب إلى ما حولك ! ما ظهر من عرض ( ميت مات ) زمان أحادي على مكان أحادي ، زمان الالفاظ على مكان الحدث / مساطب المتحف ! خطان احاديان ينجذبان مرة ويبتعدان مرة أخرى ،مكونة فعلا ايقاعيا افقيا ،لم يشفع للعرض التطور العمودي الذي يمثل جوهر الايقاع المسرحي ، بل أتقن العرض الايقاع الأفقي – مغامرة غير مضمونة النتائج – جعلت المتلقي ينجذب للكلام وينسى الصورة ، نتج عنه اهتمام بالاداء وتجاوز أو نسيان الاخراج ، ولهذا قال المؤلف أنه دراماتورج وليس مخرجا ، لانه يلاحق المعنى في المرسلة الصوتية ، وشرط وصولها إلى الصواب ، تأكيد الكلام ، اهتمام باللفظ ومعناه ، جعلت من الممثلين – بفتح الباء ،طاقة صوتية تقترب من الإذاعة أكثر من المسرح ! الذي ينتمي للمسرح فعلا وأداء ، حارس المتحف الذي يدخل في لحظات صمت الشخصيتان ، والذي أجده أتقن دوره ببراعة ، يراقب المشهد جيدا ، يدخل واسترخاء ، ينتج علاقة تشعرك أنه لا يرى أو يتفاعل مع التمثالين ! ازدواج الفعل لديه بين الاتصال والانفصال في ٱن معا ،جعلت المتلقي يتفاعل مع شخصية / حارس المتحف ،
هل الميت يموت ؟ هل هناك عدم ؟ هل الموت نهاية أم بداية ؟ من بين هذه الأسئلة نشأ العرض فكرة ومعالجة ، اذا التمثال ميت وحي ، ميت لانه كتلة لا حياة فيها ، حي لانه يؤسس علاقة متداخلة ومتنوعة مع المتلقي ، لذا نجد التمثال عمره الآلاف السنين ، وتلقيه مازال لحظات ! ثنائية نجح فيها الزيدي أن تكون جسر العلاقة مع الجمهور ، اذا تفرعت الأسئلة وتجاذبت ، فلا موت ولا تمثال ولا حياة، بل تداخلت صورهما في وحدة ابقاعية ، اكسبت العرض مسافة الادهاش رغم سكونه الظاهري ، لكنه متحرك في وعي الجمهور ، الذي تفاعل مع العرض تفاعلا كبيرا ،
المؤلف الدراماتورج : كان ذكيا في انقاذ العرض بالخانكة التي كانت صوتية / إذاعية ، تبين أن التنقلان سيتم نقلهما إلى المخازن!
الميت مات : حياة من دون انتماء ، رتابة ، أو مغبون من تشابهت أيامه .
الاخراج : تأكيد على المرسلة الصوتية ، وتقليل من المرسلة البصرية ، وكأنه يريد أن يقول أننا أمة كلامية ، نطرب لسماع الجميل من اللفظ والأداء .
السينوغرافيا : أفقية البناء مع تماثلية في خطوط الاتجاه ، وهنا أقول لو كانت المصطبتان في خطين متقاطعين وليس خطأ افقيا ، هل سيحقق ايقاعيا بنائيا للعرض ؟
الممثلون : اداء محكم اعتمد الصوتي وقلل على نحو كبير ، الجانب البصري ، مما جعل العرض صوتيا .
الدراماتورج : اتفق مع الزيدي على هذه الوظيفة وليس الاخراج ، لانه عرض يعتمد البوح الصوتي وتطوره في عمر العرض المسرحي.