أحمد الغدير – كاتب وشاعر عراقي
واحدةٌ من الأشياءِ التي تؤثِّر في الإقتصادِ والتسويق هيَّ طبيعة المُفردة واللُّغة التي تُستخدَم في عرضِ المُنتَج ، أيّ أنَّ هناكَ تأثيرٍ سايكولوجيّ في المفردة على إختيارِ الفرد وحتى آيدولوجيّته فمثلًا من خلالِ اللُّغة تم بناء الجنّة وقصص الآلهة واللُّغة أصلًا هيَّ أصل الوعي الإنساني التي من خلالها طوّر أعقد علاقة إجتماعية ومتلوّنة والذي أسّس ذلك إلى تكوين إمكانيّات دماغيّة لا حصر لها تنطلق من إنفعالات مع المحيط والذات والآخر، لقد قامَ عالم السيموطيقا – علم العلامات والإشارات – دي سوسير بتحديدِ مبدأينِ في تكوِّن الإنطباع وهما [ الدال والمدلول ] الأول هو : 《صورة سمعيّة خارجيّة》والثاني هو : 《مفهوم الصورة السمعيّة عند المتلّقي 》 أيّ أن الكلمة [ الدال ] هيَّ نسبيّة بشكلٍ كبير كونها تعتمد على طبيعتها ليسَ بموضوعيّة ،أقصدُ لا تعتمِد على معناها الحقيقي المجرَّد إنما تعتمِد على منظومتها وطابعها لدى المتلّقي والذي هو [ المدلول ] ،الآن يُمكن للإعلام الإقتصاديّ والإجتماعيّ التحكّم في طبيعةِ اللُّغة الإجتماعيّة الذي يَبني تصوّرات فكرية تؤسّس لثقافة ومنظومة حياتيّة ، أنَّ كلمة زواج هنا بطبيعتها الدينيّة والإجتماعيّة تعني [ تأسيس أسرة وإستقرّار على المستوى النفسي والشخصي ] وهذا المفهوم ليسَ قطعيّ إنما يُمكن أن تتراوح مفاهيم الزواج هنا من مكانٍ وآخر ولكن ليسَ بنسبةٍ كبيرة فكلّها تشيرُ إلى إكمالِ نقصٍ معيّن وإستقرار وحياة لطيفة ،أن هذا ” التصوّر اللُّغوي ” للزواج ساهَم بتعطيلِ مليكة التفكير الفرديّة وإستقلال الأنا والتي حازت على إنطباعاتها المدلولة منذ وقت مُبكّر، أغلبُ الأفراد الذين يَمتلكون ” ذات فارغة ” تتحكّم بها الأفكار والآراء الإجتماعيّة تكون جلّ مسعاها لتحقيق سعادات الغرائز الأوليّة أو البدائيّة ،السبب الذي أفكّرُ بهِ في هذا الصدد هو { الهدف الوجودي } وأقصدُ فيه تلك الخطط التي يضعها الفرد لنفسه على المدى البعيد وتلك النجاحات الشخصيّة التي يَرغب بتحقيقها وهذا شيء سوفَ يجعله يشعر بذاته لأنه يعطي ” معنى ” لحياته وإستقلاليتها ، مصطلح الهدف الوجودي أيضًا يتوّسّع إلى ” كل ما يشعرُ الأنا بإستقلالها ” ففراغ الذات يعني إمتلائها بالمجتمع وخدمته وتفرَغ الذات عندما تكون بدون وجهة شخصيّة ، فرديّة ،أنَّ الهدف من شأنهِ أن يقوم بجعل الأنا مؤقّتة ومنضبطة وذات تفكير أناني لتحقيق أكبر منفعة لنفسها مما يجعلها مشغولة وتكتسب أخلاقيّاتها لمصلحتها أثناء عملها ، بغض النظر عن الهدف فأنَّ تأثيره متراوح ونفعي بين فرد وآخر ، الهدف الوجودي الذي يُكسب الأنا طريقة عَيش فرديّة إلى حَد ما ومنظومة حياتيّة مُمنهجة سيُقلل من تأثير المحيط وخفض ممارساته على الفرد لأنه يَمتلك هدف ووجهة ،هنا أستذكرُ وليام هاملتون في كتابهِ ما وراء الطبيعة يعطي مثال عن فيلسوف أغريقي كان موجود في مدينة سيراكوز في عام ٢١٢ ق.م عندما هاجم الرومان مدينته : [ كان أرخميدس كما هو معروف مستغرقًا في التأمّل الهندسي ، إلى درجة أن أول ما لفت إنتباهه لإقتحام سيراكوز كان جرحه الذي قتله، وكان صراخه عند دخول الجنود الرومان : الرجاء عدم الإزعاج ،على الأقل لعلماء الهندسة ] ..
بعيدًا عن مصداقيّة القصّة وحدوثها من عدمها فأنهُ يُقدّم خدمة لصالح المفهوم الذي أتكلّمُ عنه ، ففي المثال تصوِّر واضح لما يحدث عندما تكون الأنا في نشاطٍ نفعيّ – هدفي – وعلى الرغم من أن القصّة ليست مقياس ولكن فكرة ” نفعيّة الذات ” موجودة وهذا شيء يُبرّر عدم الإنسياق في الفراغ الفرديّ الذي يُصيِّر الأنا إلى مجرّد رقم أو تناسخ ، فأن القصّة فيها شيء من الرمزيّة التي إذا كنّا سيموطيقيين فسَوف نقول بتعبير تشارلز بيرس أن التحليل هنا هو ” سيموطيقيا رمزيّة ” ، لماذا رمزيّة ؟ لأنها توحي بأن الهدف الوجوديّ أو إمتلاك طريقة عَيش مختلفة مُكتسبة من التفكير بالنجاح والسعي للمثابرة والعمل لأجل هدَف شخصيّ نبيل والهوايات والإهتمامات الذاتيّة وما شابه ذلك من الأنشطة الإنسانية المترفّعة فمن شأن هذا كله أن يُقلل من تأثير العالم على الغرائز وعلى بقاء الفرد الذي أُسمّيه ” الذات الشائعة ” بنفس طبيعته التي تتصّف ” بالعاديّة ” ، ومن الممكن أن تكون الغرائز في تحكّم الفرد وليسَ العكس كما حدث عند أرخميدس ، فكرة الهدَف الوجوديّ أو محاولة تحقيق السعي وتنفيذ الخطط .. لماذا يكون كل ذلك ذو قيمة ومهم لكل فرد ؟ لأنه يشعر الأنا بإستقلالها ، بوعيها الخاص ..
قد وضّحتُ طبيعة الهدف والمنفعة الوجوديّة في تأثيرِ المحيط على الغرائز وعدم تقييد الأنا وإعتبارها عشوائيّة الآن نعود إلى الإعلام ،في مثل زهير العطواني وغيره ممَن ينقل الأعراس والجَو العام لتلكَ السعادات فأن ذلك يدفع الإعتقادات والأفق إلى تصورِ منفعةٍ في هذا الطقس برمّته ، واللُّغة التي ينشرُها الإعلام من ذلك هيَّ لغةٍ محدودة تُعزِّز الغريزة والأخلاق السخيفة التي يُسمِّيها عالم الإجتماع روي باوميستر ” التفكير منخفض المستوى ” كونها طريقة تفكير جامدة وضيّقة لأنها ليست في محيط { الهدف الوجودي } والذي لا تتصّف بهِ الذات الشائعة
عن تأثير المفردة واللُّغة وضعا عالميّ النفس روبن فالشير ودانيال واجنر مفهوم أوسَع للتفكيرِ منخفض المستوى أسمياه نظريّة تحديد الفعل والذي يعني وَصف الأفعال بطرائق مختلفة بإستخدام مصطلحات ووسائل مختلفة مثلًا يَمكنني في المشي وَصف عظامي وأنسجتي تتحرَّك وهذا الوصف الفيسولوجي ، أو التحرِّك بوتيرة سريعة وذلك يُشير إلى طبيعة حالة قدمي النفسيّة ،أو التحرِّك نحو بيت صديقي وذلك وصف ذو غاية ذهنيّة ، هكذا تختلف الأوصاف بالرغم من المقصد الواحد يرى فالشير وواجنر [ أنه في حينِ أن الناس قد يفكّرون في أيّ فعل بطرائق عديدة ، إلّا أنهم يفكرونَ عادة في فعلٍ ما بطريقة واحدة فقط ] أيّ يمكنني في فعل معيّن أن أمتلك له وصف واحد معيّن في ذهني والذي هو بالغالب مرتبط بالثقافة البيئية أو التعلّم الناتج من طرائق مختلفة ، يَعطي واجنر في كتاب وَهم الإرادة الواعية صفحة ١٦٠ مثال عن المفارقة اللُّغويّة ودلالتها : [ فإن الفعل الذي بدأ في المراحل الباكرة من التخطيط على أنه ( حماية نفسي ) يعني ( حمل مسدس ) وهكذا قد يُترجَم في خضمِ اللحظةِ بمجرّد سحب الزناد ، ولا يُفهَم إلّا لاحقًا فقط من حيث معناه الأكبر ومدلولاته الاخلاقيّة بوصفهِ ( إزهاق حياة ) على الرغم من أنَّ اللص قد يكون فعل جميع الأشياء التي من شأنها أن تجعل سلوكه يُنظَر إليه فيما بعد على أنه مقصود (حمل المسدس ،سحب الزناد ) فإن النيّة الصريحة ( إزهاق حياة ) قد لا تكون واردة في عقلهِ سابقًا أو عند تنفيذ الفعل ] ، وهكذا يُشير واجنر إن تأثير المفردة يوّلد إعتقادات وبُنى أخلاقية تُترجم في العقلِ على إنها لصالح الأنا، ففي مثال اللص كانت مفردة حماية نفس كفيلة بحمل مسدس وقتل شخص بينما لو جرى الأمر على الإعتقاد بمفردة زهق حياة لكان قد تكوّن منبّه أخلاقي أو ” أنا الضمير ” مما تدعم تلك المفردة الفعاليّة اللاخلاقيّة وتبعده من شعوره بالذنب ،ففي الزواج أن ذلك مشابه تمامًا أن كل ما موجود في لغة الشعب العادي هو عمليّة رسم حياة ورديّة للمتزوج مما يكوّن ذلك دافع إجتماعي أو تحيّز نحو الزواج وهذا هو الجانب النفسي من التأثير الإجتماعي في قضية الزواج ، يجب تغيير لغته لتغيير الافكار والإندفاعات نحوه ، يُمكن أفهام الذوات الناشئة بأنها مسؤولية صعبة من خلال أجهزة وجهات معيّنة والذي من شأن ذلك أن يدعه يُفكّر بالقضيّةِ بجدّيةٍ فردية أو محاولة لجعلهِ يُنشأ لنفسهِ أهداف ورغبات شخصيّة تمكّنه من الوصولِ لمناطقٍ أبعَد من الحياة الرتيبة التي تنتقل من الأهَل وغيرهُم وبالتأكيد ذلك يتكوّن من ” تكرار ” جملة من الكلمات والتكرار هو فعل تأكيد .