ألف ليلة وليلة.. أكثر من موروث أدبي عالمي.. مفتاح لفهم سيكولوجية الازمات

ألف ليلة وليلة.. أكثر من موروث أدبي عالمي.. مفتاح لفهم سيكولوجية الازمات

ألف ليلة وليلة أكثر من موروث
أدبي عالمي، مفتاح لفهم
سيكولوجية الازمات الاجتماعية
والسياسية والجنسية في العالم
العربي الإسامي.
قبل ان أفكر في كتابة مقالي حول
القراءات المتميزة لمؤلف ألف ليلة
وليلة، تبادرت إلى ذهني ذكرى
جدي وهو يحكي قصص ألف ليلة
وليلة في حلقة جمعت كل الجيران والحي بالقصر القديم
في القنادسة -مدينة في الجنوب الغربي الجزائري-، كان
بأسلوبه التشويقي الخاص يشد فضول مستمعيه فتراهم
ينتظرون كل ليلة مستجدات الحكاية وتطورات أحداثها ،
لم تكن جدتي أيامها تنزعج من وجودهم في بيتها إلى
أن دخل التلفزيون البيوت، فغير البنى التحتية الاجتماعية
وأثر سلبا على بنائها بحيث ساهم في بترها إن لم أقل
بتقليصها .
لقد كان جدي بغير قصد يكرر حدثاً وقع منذ آلاف السنين
في أسواق بغداد والشام ومصر وباد المغرب بحيث تحكى
القصص شفويا في الأسواق، فمهنة الحكواتي موجودة في
أسواق مراكش حتى يومنا هذا.
توقفي عند هذا المؤلَف اليوم أعمق بكثير من ذلك، سأفتح
روحه بطريقة تحليلية قائمة على دراسة سيكولوجية جريئة،
كيف يمكن لمؤلف كّتِب منذ عشرة قرون خلت أن يكشف
لنا مفاتيح فهم الأزمات السياسة والاجتماعية والجنسية
التي يعاني منها المجتمع العربي الإسامي المعاصر، ذلك
هو التحليل الذي يدعونا إليه الدكتور مالك شبال في
كتابه بسيكاناليزم ألف ليلة وليلة الصادر في سنة 2007 .
جاء في ملخصه: «اضطرت النساء إلى إعادة خلق عالم
بمقاييسهن لتتمكنَ منه، حبيسات قوانين الحريم والسرايا
فرائس لضَجر حبكن حكايات تقمَصن أبطالها، من إلهامهن
ولدت قصص ألف ليلة وليلة كدعوة لاكتشاف لغة الرغبة
ومنتهكات الجنس، الشباب وكذلك االخطيئةالفضيلة والعنف،
التي تسلط الضوء على المتعة، والرجال وعلى الأنوثة »
لكن قبل أن نغوص مع د. شبال على كنبة تحليله النفسي
للكتاب الذي بين ايدينا ، بحثت عن دراسات أخرى تطرقت
للموضوع لكني فوجئت بالكم الهائل من الاطروحات
والدراسات التي تناولته فكنت كمن يبحث عن إبرة في
كومة من القش. استوقفتني رسالة دكتوراه في الادب
المقارن في جامعة السوربون لنبيلة رفاعي تحت عنوان
«المؤنث والأمومة في الخيال الغربي، تحليل شهرزاد
الاسطورة « فاتفقت معها على ضرورة فهم الإطار التاريخي
الذي نشرفيه مألف ألف ليلة وليلة لأنه نتاج حضارات
مختلفة إسامية وغير إسامية هندية وفارسية وعربية
ومن هويات مجهولة.
لكن ما لا يعرفه الكثير من القراء هو أنً اول طبعة لهذا
الإرث الأدبي العالمي صدرت باللغة الفرنسة سنة 1712 –
1704 عن كاتبها أنطوان قالون الذي هذبها وأثرى بها
صالونات الأدب الفرنسي في القرن الثامن عشر بحيث
حظى المؤلف بمقروئية واسعة في الطبقة الأرستقراطية
والبورجوازية حدت حدو الإنجيل.
كان علينا أن ننتظر قرنا كاما حتى نرى صدورها بلغة
الضاد في كالكوتا سنة 1814 وبعدها في سنة 1835 نسخة
البولاق وقد ورد في جريدة لوموند الفرنسية في 1985
مقال حول فظيحة حظر ألف ليلة وليلة التي صودر طبعها
من طرف محكمة الشؤون الأخلاقية في مصر التي إتهمت
المؤلف بأنه مخل بالحياء والدين فأحرقت أكثر من 3500
نسخة أمام المأ. لكن نقابة الكتاب المصريين طالبت برد
الإعتبار للمؤلف بتصنيفه كتراث وطني سنة 2010 .
كثير من الباحثين والادباء يتفقون على أن أصول الكتاب
شرقية ومتشعبة الثقافات لأنها نابعة من حضارات مختلفة
البيزنطية ، الساسانية ،الاموية والعباسية ،خيال متعدد من
حقب ماقبل، إسامية وغير إسامية ، في كتابه حدائق
الذهب الإنثربولوجي والخطاط المسعودي في أواسط
القرن الخامس يقُرٌ بأن أصول الكتاب هندية وفارسية
وهذا ما فنده ابن النديم محمد إسحاق 993 — 987 موثق
مكتبة في بغداد‘ في الفهرست –قاموس أدبي يحصي كل
الكتب العربية المترجمة إلى اللغة العربية في أواخر القرن
الثامن- بان اول من إستعمل كلمة خرافة هم الفرس بحيث
إنتشر هذا الأدب في العهد الساساني واخذها عنهم العرب
وأعادوا صقلها ، وفي ما يخص إسهام الحضارة العربية في
ألف ليلة وليلة يقر الباحث وألأنثربولوج مالك شبال بأن
العرب هم اكثر الشعوب التي أثرت على ألف ليلة وليلة
بطرحه إشكالية الشفهية والترجمة فحسبه هذه الشفهية
نتاج أرهف وأخصب مخيلة للملحمة العربية ويضيف على
أنه رغم التثبيت الكتابي للقصة بقي الخطاب حاظرا متينا
،مثيرا وسيدا فالليالي يعمها الفوضى والعنف مقابل النص
القرآني الذي يمثل وحده النظام والكلمة الغير قابلة
للتقييد والنقاش.
ورغم التهذيب الذي أحدثه قالون يبقى القارئ مندهشا
أمام بداية القصة التي تفتح ستارها على حادثة الخيانة
الزوجية التي كان ضحيتها الملك شهريار المنتقم من كل
عذارى مملكته وكيف تدخلت شهرزاد إبنة وزيره لإنقاذ
النساء من قتل حتمي عند بزوغ الفجر، فشد ت فضوله
بحبكها كل ليلة قصة جعلته يبقي على حياتها مقابل
معرفة نهاية القصص حتى حبلت منه ومنحته وريثا لملكه.
فصورة المرأة لا تقترن بالضعف والفضيلة، لكنها مصدر
المتعة فهي تستبيح كل الممنوعات وهنا يدعونا شبال
إلى مستويات متعددة للقراءة لا تتوقف فقط على سرد
لمكبوتات جنسية وأيروتيكية بحيث ياخد بحذر التحليل
النفسي الذي يقترحه الدكتور برونو بيتلهايم لشخصية
شهريار التي تعاني من شيزوفرينيا بحيث تصبح الليالي
مدخل للأنا الشخصي والتي تغوص بنا في النظريات
السيكولوجية للانا ، فحسب شبال، القراءة تتم على أربع
مستويات أولا جنسية، وسيكولوجية تاريخية، وانثروبولوجية
ففي نظره اللاشعور حاظر في الحبكة القصصية منذ
البداية ، تتقاطع فيها خطوط الفضاء مع الوقت، والمخاطبة
بالدهاء، والجنس بالسلطة والتي مجتمعةً تكشف لنا عن
القاعدة النفسية لما لا يُعَبر عنه.
ألف ليلة وليلة تكشف عن لغة أنثوية جد مرهفة مصقولة
بدهاء أنثى تحبط السلطة الجنسية الذكورية التي تستمد
شرعيتها من النصوص الدينية فهي خيط أريان المحايد
للذاكرة الطفولية للعالم العربي الإسامي وهي برلمان ذلك
المجتمع الذي تعكس فيه كل التناقضات الاجتماعية والسياسية
في الماضي والحاضر. أليست شهرزاد هي تلك الشعوب
المحضورة والضعيفة أمام شخصية شهريار التي ترمزللانظمة
العربية المستبدة التي تسلب الشعوب حقوقها لكن الحلول
تاتي من الشعوب ممثلة في شهرزاد. فهي تقلب موازين
القوة وتحل أزمة شهريار النفسية بإعادة مصداقية العلاقة
الزوجية أمام الخيانة السلطة بالعدالة الحاكم والمحكوم،
القوانين والفوضى، ويذهب شبال في تحليل الفضاءات كل
واحدٍ على حده، بحيث نتوصل في نهاية التحليل بطرح
تانيث العالم تلك هي نقطة الانطاق والنهاية فإعادة
بناء صورة المرأة كشخصية قوية لها السلطة الكاملة على
شهريار فهي تستعيد مكانتها كإنسان متحرر من العادات
والقوانين ومن الدين فحسب شبّْال المرأة في هذا الكتاب
هي الأسطورة الانثوية الجامعة فهي تمثل الحياة بكل
اطوارها من الولادة حتى الموت، باوجه مختلفة ،المراة الام
مصدر الحياة والموت مصدر المتعة والقلق هي الأداة الأولى
والوحيدة لكل النزعات التي لا يطالها سوى الموت.
فشهرزاد تدخلنا إلى عالم غامض صعب الفهم هو المراة
تلك «القارة السوداء » حسب فرويد، ويضيف د.شبال في
تحليله ليس من الخطأ ان نقول بأن العرب كانوا ولا زالو
يحتجزون النساء داخل السرايا خوفا من عدم قدرتهم على
إشباعهم جنسيا، فحبسه المراة هو الرد السياسي على
أزمة الجنس فالسرايا هي جدار الخوف الذي بنته السلطة
الذكورية لتحمي ذاتها.
في الأخير يمكن أن أقول أن جرأة التحليل الذي قدمه
د.شبال في كتابه بسيكاناليزم ألف ليلة وليلة جدير بان
يقدم في حلقات متواترة لانه تطرق لمقارنات الصورة
السميولوجية و الجنسية للمراة في النصوص القرانية
ونصوص ألف ليلة وليلة سآتي في مقال يتبع على تحليلها.

(Visited 1 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *