محمد السيد محسن
تعود بي الذاكرة الى نهاية عام 1994 حين عقد اول مؤتمر لدول جوار العراق في طهران وحضره سوريا وتركيا وايران فقط , حيث تمت مناقشة التطورات العراقية حينها وامكانية تدخل جديد من الولايات المتحدة في العراق , والاعداد الكبيرة من اللاجئين العراقيين في ايران وتركيا , وكنت في ذلك الوقت مراسلا صحفيا اعمل لصالح جريدة “الشهادة” الناطقة بلسان المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق بقيادة محمد باقر الحكيم.
كنت ابحث عن تصريح صحفي بعد خروج ممثل الجمهورية السورية من الاجتماع عبد الحليم خدام , ركضت اليه وبدون قصد اندست يدي في جيب سترته فتوقف وكأن سارقا اراد ان ينتشل شيئا ما منه , ضحكت واعتذرت بسرعة وقدمت جهاز التسجيل الصغير امام وجهه وسألته عن جدوى اجتماع ثلاث دول للتباحث عن مصير دولة رابعة دون حضور ممثل عنها.
واجهني عبد الحليم خدام بابتسامة عريضة وقال لي : انت صحفي ام غير شي ؟
ثم اكمل ما اسجله للتاريخ , حيث قال : نخشى ان الرابعة لن تبقى دولة , ونحاول ان نتعامل مع اي تطور جديد , وكان يقصد العراق .
كنا في ذلك الوقت ندعو صدام حسين ب “مستر يس” اي “سيد نعم” لكثرة ما تنازل بعد حماقته دخول الكويت وما جرت على العراق من ويلات وذلة , سببها صدام حسين للعراق وللعراقيين, من حصار وتدمير للبنية التحتية , وذلة وصول فرق تفتيش دولية حتى الى خزانة ملابس الرئيس وتفتيش ملابس زوجته وبناته. ولكثرة ما بات العراق يوافق دون اعتراض على ما تفرضه الامم المتحدة من قرارات منطقية وغير منطقية , حيث اشارت الاحصاءات ان اكثر من 500 قرار صدر بما يخص العراق خلال عامين فقط , فرضت على العراق حصارا وتدخلا امريكيا في شؤون ادارة الموارد والتصرف بالبنية التحتية.
تلك كانت ذلة ما بعدها ذلة قبل بها صدام حسين , ولم يستطع ان يتخلص من تداعيات حماقة احتلال الكويت والغاء وجوده بقرار أرعن.
استمر الايرانيون والسوريون والاتراك التنسيق مع بعضهم البعض ولم يضيفوا لقائمة اجتماعاتهم الاردن وسوريا والكويت والسعودية, الى ان حصل ما كان يخشاه المجتمعون , والغيت الدولة في العراق مثلما كان يتخوف عبد الحليم خدام , بيد ان الايرانيين والاتراك استفادوا ايما استفادة من ضياع الدولة في العراق , فيما تم تسخير سوريا كممر للارهاب الدولي الذي جيء به لصنع منطقة رخوة للتشدد الاسلامي , وسرعان ما تمت معاقبة سوريا وانعكس عليهم كل تصرف قرارات حكومتهم فاستوطن الارهاب في بلادهم , وتبعت سوريا جارها العراق في الدخول ضمن نادي الدول الفاشلة.
الاشكالية التي ابحث عن تفكيك لها في هذا المؤتمر , هي ان العراق لديه مشكلات يحاول ان يحلها مع دول الجوار , لكن هذه الدول لديها مشكلات مع بعضها البعض , كيف يمكن جمع الاضداد على طاولة واحدة , وهل سيكون الاجتماع لصالح العراق؟ , ام ان العراق سيكون وسيطا بين جيرانه لتقريب وجهات النظر , وهذا الدور لا يليق بالعراق في هذه المرحلة حيث انه يحتاج لدعم جيرانه على اعتبار ان العملية السياسية التي زرعها المحتل الامريكي في العرق لم تنجز الدولة بعد , وان المتصيدين بماء الفوضى في العراق هم بعض الجيران الذين يسعون لإبقاء العراق بهذه الحال ويمدون كل الخيوط والحبائل من أجل عدم اشاعة الاستقرار والعودة الى الدولة.
لذا اقول : لا نجاح لاستقدام مشكلات لحل مشكلة واحدة.