كتب المحرر السياسي للمستقل :
لا انتخابات بدون الصدريين،ولاانتخابات بدون المالكي والعامري والفتح ودولة القانون والاحزاب التي تشكلت من الفصائل المسلحة وجميع التيارات التي تناوبت على السلطة من 2003 حتى اليوم .. لا انتخابات اذا ما خرج احد هذه الاركان عن لعبة الديمقراطية ( العراقية ) طالما ستجرى على وفق المعادلة المعتادة التي جرت عليها في الدورات السابقة . وبعد أن تم الالتفاف على حضور تظاهرات تشرين السياسي التي انقسم دعاتها بين مندفع الى خوض اللعبة وقسم ينتقد هذا الاندفاع ويراه في ظل الظروف الحالية دون جدوى .
هذا بالنسبة الى الخارطة الشيعية الداخلية، يقابله أيضا المشهد الاخر من المكونات التقليدية التي لاانتخابات بدونها كذلك وهو ما يفسر الحرج الذي بدت عليه الحالة السياسية في العراق بعد اعلان السيد مقتدى الصدر الانسحاب من الانتخابات اعقبه انسحاب لكتلة اياد علاوي وصالح المطلك والشيوعين وربما انسحابات اخرى .
مراقبون رأو بان موضوع إجراء الانتخابات من عدمه أصبح مادة للتنابز السياسي بل اصبحت الانتخابات المبكرة التي كانت بعض الاحزاب والتيارات تحرمها ثم قبلتها بمرارة اصبحت اليوم مطلبا ملحا لها ! لماذا لأن الاطراف المنافسة لتيار الصدر ترى أن اجراء الانتخابات رغم اعتراض الصدر بمثابة كسر لشوكة تياره الذي يعد منافسا قويا جدا لها في اية جولة . عسى أن تحظى بفرص خاطفة لملء غياب الصدريين . فيما شدد اخرون على ضرورة اعادة الصدر الى المشهد الانتخابي لأن عودته ستوقف مسلسل الانسحابات وتجعل الأمور سائرة كالمعتاد دون تاثير من قوى جديدة وتيارات تشكلت حديثا ربما هي التي ستملأ هذا الفراغ .
في الحالتين هذه الفكرة تبدو سطحية جداً فالصدر الذي أعلن الانسحاب لن يتخلى عن دولة هو جزء فاعل فيها ويعد كما صرح هو نفسه عرابها وصانع ملوكها . وان رغبته بتسلم رئاسة الوزراء لاعلاقة لها بموضوع الانسحاب وان الصدريين موجودون موجودون بعناوين مختلفة .. وان هناك اتفاقات سياسية ابرزها اتفاق الصدر – البرزاني بشان تحالفات مابعد الانتخابات وتشكيل الحكومة لايمكن شطبها مع قرار الانسحاب . لكن اعلان الانسحاب وانشغال الراي العام به والتركيز على الجدل بشان الانتخابات فقط والتوقعات بشأن اجرائها من عدمه،اغلق الستار على كثير من المآسي والكوارث التي احرجت المؤسسات العراقية ، وتجاوزت ردود فعل غير مسبوقة كان يمكن أن تتولد بعدها .
فالانتخابات التي كانت قبل أيام معدودة مهددة بالالغاء عراقيا من خلال التثقيف المبكر لمقاطعتها، ودوليا من خلال حديث الامم المتحدة وممثلتها في العراق بان البيئة العراقية غير آمنة لاجراء الانتخابات ، تحولت اليوم الى خيار رسمي وتشهد اصراراً على اجرائها للاسباب أعلاه والغرض ليس تنظيميا فالجميع هيأ نفسه للعودة الى السلطة بنسب لن تختلف كثيرا عما هي عليه الان . لكنها تحولت الى حرب مبكرة من خلال التدخل الخارجي الذي يدعم اجراء انتخابات لاسيما في الولايات المتحدة وايران مركزَي القرار العراقي اليوم . الايرانيون مطمئنون الى نتائجها من الان والامريكيون مطمئنون ايضا الى ان اياديهم مازالت طولى في التاثير السياسي .. حيث لم تتضح صورة النزاع الصريح بين الفريقين كما تتضح الآن . ولعل الملفات التي نوقشت مع العراق سواء من الانسحاب او الرعاية والانقسام العراقي البائن بين المكونات والاحزاب حول ذلك يؤكد حضور الفريقين المتنازعين بقوة .. بعد ذلك ليس من مصلحة احد تاجيل الانتخابات وهي اليوم حرب ناعمة ليست بين المكونات العراقية بل داخل المكون الواحد كما نشهد من خلافات سنية سنية وكردية كردية حول ملفات عديدة .
انها فعلا شبكة من تقاطع المصالح وتشعب المخاوف والحذر من الآخر الذي تجاوز الهوية المذهبية والقومية الى الاطار الضيق للجماعة أو الحزب ، وهذه الشبكة المعقدة لايحل خيوطها ويوضح مساراتها سوى حوار جريء على أكثر من صعيد ، حوار بين النخب السياسية الحاكمة على تناقضاتها ، وحوار جريء بين الطبقة السياسية والجمهور وهذا الاخير معقد اكثر هو الاخر لانه محاط بعدم الثقة والتجربة الفاشلة بين الطرفين ، مايلقي بظلاله على مناخ الانتخابات بالتاكيد ..لكن سواء بالانتخابات او بغيرها لايمكن اصلاح الأمر الا بحوار وطني غير تقليدي وغير صوري يكون وسيلة للتغيير وليس غاية عابرة كما هو معتاد.