السيد حسين الصدر
1- الحفاظ على ماء الوجه من أنْ يُراق من أهم الصفات التي يتصف بها أصحابُ الاحساسالعالي بالكرامة الانسانية .. فتراهم يتحملون الضنى والضيق والجوع والحرمان دون أنْيمدوا أيديهم الى مَنْ يستطيع اشباعَ حاجاتهم مِنْ أهلِ الجاه والثروة خشيةَ أنْ يُراقَ ماءُوجوهِهِم …
هذا من جانب ذوي الاحتياج الذين يعانون من الفقر .
وبالمقابل يحرص النبلاء وذوو النفوس الكبيرة على اشباع حاجة المحتاج مع الحفاظعلى ماء وجهه، ولذلك تراهم يبتكرون من الوسائل والطرق ما يضمن لهم ما يريدون .
-2- ومن القصص المثيرة للاعجاب قصة ( الشرمقاني ) ت 451 هـ مع
( ابن العلاف ) وقد جاء ذكرها بالتفصيل في المنتظم لابن الجوزي / ج16 / ص57 وخلاصتها :
انّ ( ابن العلاف ) رآى تلميذه الشرمقاني ( وقد نزل الى دجلة وأخذ من أوراق الخس )
وكانت أوراق الخس مرميةً في النهر بَدَلَ أنْ ترمى في مكب النفايات.
فما كان مِنْ ( ابن العلاف ) الاّ الاتصال بمن سَمَّتْه القصة ( رئيس الرؤساء ) واخباره بحالالشرمقاني، فقرر أنْ يُنهي معاناة الرجل بنحو يحفظ له ماء وجهه .
كان الشرمقاني يأوي الى مسجد معيّن ، فأمر رئيس الرؤساء أحد خُدّامِهِ أنْ يعمل لبابالمسجد الذي يأوي اليه الشرمقاني مفتاحاً مِنْ دُون أنْ يُعلم الشرمقاني بذلك .
وأمره أنْ يحمل الطعام في كل يوم الى ذلك المسجد ليأكل الشرمقاني وتنتفي حاجتهللبحث عن فضلات طعام الناس التي تُلقى هنا وهناك.
المهم هنا :
الاستجابة السريعة لاشباع حاجة الشرمقاني مِنْ قِبَل رئيس الرؤساء، وابتكار الوسيلةالتي تحفظ ماء وجه الشرمقاني ، وذلك بايصال الطعام اليه من دون أنّ يرى أحداً علىالاطلاق .
تقول القصة :
دخل الشرمقاني الى المسجد فرأى الطعام مطروحا جهة القبلة ،
ورأى باب المسجد مغلقا ،
فتعجب
وقال في نفسه :
” هذا من الجنة ،
ويحب كتمانُه ،
وأنْ لا أتحدث به ،
فان من شرط الكرامة كتمانُه
وأنشد :
مَنْ أطلعوهُ على سِرٍّ فَبَاحَ بِهِ
لم يَأْمَنُوه على الأسرارِ ما عاشا
-3 – وفي العراق الجديد تعيش ملايين الأُسَر تحت خط الفقر، وقد يضطر بعضهم الى البحثفي النفايات عن الطعام الذي يمكن أنْ يتناوله لسد جوعه ..
والسؤال الآن :
أين هم الساعون الى أشباع حاجاتِ الفقراءِ والمستضعفين مع الحفاظ على ماء وجوههممن الإراقة ؟
ان بعضهم يعمد الى التقاط الصور التي ينشرها هنا وهناك، جاعلاً ما قدّمه للفقراء منمساعدات عملية تلميعية لصُورتهِ وقد يستغلها لأغراض انتخابية ..!!
وأين هذا من ذاك ؟
-4- جاء في التاريخ :
انّ العديد من العوائل الفقيرة أفتقدت ما كان يصلها من المساعدات حين توفي الامامالسجاد (ع) فعلموا انّ ما كان يصل اليهم هو من الامام زين العابدين على بن الحسين (ع) .
نعم
كان الامام السجاد (ع) حريصاً على إبقاء الاحسان الى الفقراء سرّياً لا يعلم به الا الله ،
ليكونَ أهنَأ طَعْماً عندهم وأطيبَ مَذَاقا .
وهنا يتجلى الحس الانساني ، والاصرار على مواصلة البر الاجتماعي ، بعيداً عن أعينالنّظار، وتلك سجيّة الابرار في تعاملهم مع المستضعفين والفقراء .
-5- من الجميل ان يتعاهد كلُّ واحد منّا بايصال المساعدات وإنْ قَلَّتْ الى عائلة واحدة منالعوائل الفقيرة المستضعفة، مع الحفاظ على ماء الوجوه، فتلك هي العبادة الاجتماعيةالتي لها ثقلها الكبير في الميزان .
-6- ولا تنسوا ما أعدّه الله تعالى للمنفقين من المثوبات والأجر العظيم.
قال تعالى :
( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلةمائة حَبّة والله يضاعف لمن يشاء )
البقرة /261
وقال :
( مَنْ ذا الذي يُقرض الله قَرْضَاً حَسَناً فيضاعفه له )
البقرة / 245
انّ انفاق الأموال في سبيل الله يعود على المنفق بأضعاف مضاعفه ، فطوبى للمحسنينوالمنفقين والباذلين .
ووفقنا الله واياكم لنكونَ منهم .
حسين الصدر
Husseinalsadr2011@yahoo.com