يمكن القول إن أهمية انتهاء أزمة الخليج هي أكبر من اتفاقيات «التطبيع » الأخيرة التي أبرمتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين. ويشمل الاتفاق على إنهاء الأزمة، وقف قطر للإجراءات القانونية ضد جيرانها، لا سيما فيما يتعلق بالقيود المفروضة على العبور الجوي، وإنهاء إغاق الطرق الجوية والبرية والبحرية، ووقف كل طرف الحمات الإعلامية ضد الطرف الآخر. بيد، إن إنهاء الصدع، لن يُسفر عن وحدة خليجية فورية أو يجعل حل القضية النووية الإيرانية أكثر سهولة.
يبدو أن أزمة الخليج قد آلت إلى زوال. فقد انتهى الانشقاق الذي وقع بين الدول الحليفة للولايات المتحدة: السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، في الخامس من كانون الثاني/يناير وسط موجة من الجلابيب العربية والمعانقات بالأوجه المقنعة في مهبط طائرات صحراوي شمال غرب السعودية.
وبما أننا نتحدث عن الشرق الأوسط، فيجب توخي الحذر في الصياغة، ومن الحكمة استخدام كلمة «من المحتمل » أو «ربما » في مكان ما. لكن لا شك في أن الخبر يحمل أهمية محتملة. فلم تعد الخلافات غير المعقولة في كثير من الأحيان بين حلفاء واشنطن موضع إلحاح واهتمام. ويمكن القول إن أهمية هذا الحدث هي أكبر من اتفاقيات «التطبيع » الأخيرة التي أبرمتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين.
وبالنظر إلى الحضور في الصحراء في الخامس من كانون الثاني/يناير لمستشار البيت الأبيض وصهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، فمن الصعب عدم الاعتراف بهذه المشاركة باعتبارها إنجازاً للرئيس المنتهية ولايته ترامب.
ويجب التوفيق بين هذا النجاح ودور ترامب في بدء الأزمة في أيار/مايو 2017 عندما حضر القمة العربية في الرياض في أول رحلة خارجية له. وكان أمير قطر تميم حاضراً أيضاً، لكن وفده كان يعلم أن شيئاً ما يحدث خطأ عندما وجد نفسه جالساً بالقرب من المطابخ في المأدبة. وفي غضون أيام، تم اختراق وكالة الأنباء القطرية لإظهار رسائل وهمية مؤيدة لإيران، وقطعت السعودية والإمارات والبحرين علاقاتها مع قطر. وكانت تغريدة للرئيس ترامب قد أشارت إلى دعم قطر للإرهاب.
وفرضت الدول العربية المجاورة لقطر «حظراً » – بل حصاراً في الواقع، بقطعها الحدود البرية ومنعها حركة الطيران – بسبب تذمرها من دعم الدوحة للراديكاليين والمتطرفين الإساميين.
وبعد بضعة أسابيع من ذلك الصدع، قمتُ برحلة صحفية إلى الخليج بحثاً عن إجابات عمّا حدث وأسباب ذلك. فوجدتُ الدبلوماسيين المحليين مرتبكين ويفعلون الشيء نفسه. وساد الرأي القائل إنها لعبة نفوذ تمارسها الشخصيتان الصاعدتان: محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، الإمارة الرائدة في الإمارات العربية المتحدة، ومحمد بن سلمان الذي أصبح ولي العهد السعودي في حزيران/يونيو 2017 بعد إجبار سلفه على التنازل. وبسبب غضبهما من جارهما القطري الذي لم يكن سابقاً ذا أهمية، ولكنه أصبح يخطو خطوات سريعة وواسعة في المنطقة وحتى العالم مع عائدات الغاز الطبيعي، فأرادا وضعه عند حدّه.
ويبدو أنه تم طرح فكرة الغزو البري إلّ أن واشنطن منعتها. أما البحرين، التي كانت قبل أسابيع قليلة فقط من تلك الفترة تتسول من الدوحة طلباً للدعم المالي القطري، فقد مُنحت أقل من 24 ساعة لتقرر ما إذا كانت ستنضم إلى الحصار. ولم يصدّق الناظر عينيه حين رأى قائمة المطالب المؤلفة من 13 بنداً لأن مطلبها الأول كان طرد أعضاء «الحرس الثوري الإسامي » الإيراني من قطر. وقد قال لي أحد الدبلوماسيين المتابعين للشؤون الإيرانية: «لا يوجد أي ]عضو[ .»
إن الاتفاق على إنهاء الصدع، كما ورد في التقارير الحالية، ذو ثلاثة أوجه: إنهاء إغاق الطرق الجوية والبرية والبحرية؛ وقف قطر للإجراءات القانونية ضد جيرانها، لا سيما فيما يتعلق بالقيود المفروضة على العبور الجوي؛ ووقف كل طرف الحملات الإعلامية ضد الطرف الآخر. ومن بين هؤلاء، ربما يكون ]النقطة[ الأخيرة هي الأكثر صعوبة، حيث أن تعاريف حرية الصحافة والتعليق العادل هي أعمال جارية ومستمرة في الخليج.
إنها قصة مؤثرة وتجيب عن سؤال «ماذا يعني كل هذا؟ » لكن يجب حرفياً التريث في طرح الأسئلة إلى حين يهدأ غبار الصحراء. وكان من المجدي مراقبة دور والد محمد بن سلمان، العاهل السعودي المريض سلمان. فهو يترأس الحدث من الناحية النظرية، لكنه لم يحضر الجلسة الرئيسية للقمة ولم يشارك في الصورة التذكارية. ومن الواضح أن محمد بن سلمان هو القوة الدافعة للاختراق الدبلوماسي، وربما يدرك أن الصدع كان يؤثر على رؤيته لتحديث المملكة.
وفي حين لم يشارك الأمير محمد بن زايد في مؤتمر القمة، فهو على أي حال لا يحضرها عادة. ومن ناحية البروتوكول، فبالنظر إلى اعتلال صحة أخيه الأكبر غير الشقيق ورئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، فقد تولّى رئيس الوزراء وحاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم تمثيل دولة الإمارات. لكن هذه المرة، قد يجد البعض تفسيرات إضافية لغياب الأمير محمد بن زايد.
ومن الغائبين أيضاً الملك حمد من البحرين، علماً بأن نجله ولي العهد الأمير سلمان كان حاضراً. كما أن الحاكم العُماني السلطان هيثم أرسل هو أيضاً بدياً عنه، ولكنه ربما يقتدي بسلفه السلطان قابوس الذي لم يعتد حضور القمة. وتمت دعوة الرئيس المصري السيسي كضيف ولكن وزير خارجيته هو الذي مثله، الأمر الذي لا يزال يوحي بأنه سيؤيد الاتفاق.
ولن يعني غياب الخاف وحدة الخليج، لكن يجب الترحيب بهذه الخطوة من قبل إدارة بايدن القادمة، التي ستحاول صياغة سياسة جديدة تجاه إيران. ولن تكون القضية النووية الإيرانية أكثر سهولة للحل. وسيلاحظ أصحاب النظر الثاقب أن السعودية اختارت عقد هذه القمة في منطقة العلا السياحية الواعدة التي تشتهر بنتوءاتها الصخرية ومنحوتاتها النبطية. كما أنها موقع لمنشأة معالجة اليورانيوم التي بنتها الصين، وهي محاولة سعودية واضحة لبناء بنية تحتية ستكون ضرورية إذا أرادت أن تضاهي طموحات طهران النووية.
سايمون هندرسون هو زميل «بيكر » ومدير «برنامج برنستاين لشؤون الخليج وسياسة الطاقة » في معهد واشنطن.