هل بدأت المفاوضات الاميركية الايرانية؟

هل بدأت المفاوضات الاميركية الايرانية؟

تسيطر على الصحافة في الكيان الاسرائيلي وبعض دول
الخليج، فكرة مفادها ان مستقبل ازمات المنطقة مرهون
بنتائج الحوار الاميركي الايراني. فنجاح هذا الحوار يفتح
باب الحلول لأزمات كبرى، من اليمن الى سوريا
والعراق ولبنان، ويسمح بمرحلة من الانفراج في الوضع
الخليجي المأزوم.. اما الفشل فيعني دخول المنطقة في
مرحلة من التصعيد يصعب التنبؤ بمآلاتها.
فالضغوط الاميركية والاسرائيلية بلغت حدها الاقصى
باعتراف الجانبين، ولم يعد بوسع التحالف الاميركي
الاسرائيلي الا شن الحرب، التي دونها محاذير لا تخفى،
بعد ان تقلصت قدراتهما على الضغط، والتهديد، لردع
ايران واجبارها على الرضوخ.
التهديدا لاسرائيلي
ولعل البعض قرأ تصريحات رئيس الاركان في الجيش
الاسرائيلي في هذا الاطار، اذ ليس من عادة العسكريين
ان يتحدثوا للمناورة السياسية، بل تأتي تحذيراتهم
لتضع السياسيين امام حقائق يجهلونها، او لتهيئة الرأي
العام لمرحلة قد تشهد ما ليس في الحسبان.
الجنرال افيف كوخافي اصدر أمرا للجيش بإعداد خطة
عسكرية عملياتية تهدف إلى منع إيران من الحصول
على قدرات نووية عسكرية.. وهو ما استدعى زيارة
قام بها قائد القيادة المركزية بالجيش الأمريكي
كينيث ماكينزي إلى الكيان الاسرائيلي.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قررت، منتصف يناير،
ضم إسرائيل إلى نطاق القيادة المركزية )سنتكوم(،
إلى جانب دول عربية أخرى في الشرق الأوسط.
التهديدات الاسرائيلية المتصاعدة وُضعت في دائرة
الجدل، حول عودة الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي
الذي تعارضه حكومة بينامين نتنياهو بشدة.. ولكن
ادارة الرئيس بايدن يبدو انها وضعته في اولويات
سياستها الخارجية.
ولكن العالم لم يأخذ تصريحات كوخافي بدلالاتها
العسكرية والامنية، بل باعتبارها فصا من فصول
المشاكسة الاسرائيلية، لابتزاز ادارة بايدن والضغط
عليها، اما بهدف كسب المزيد من المساعدات
والافضليات السياسية كما كانت تفعل دائما، او لاطلاق
يدها في استكمال مشروع صفقة القرن وجر المزيد
من الدول العربية الى معسكر التطبيع.
وهو ما اشار اليه وزير الشؤون الاستراتيجية في
الحكومة الاسرائيلية ميخائيل بيطون الذي وضع
المنطقة امام احد اتجاهين لا ثالث لهما: التحالف مع
ايران والارهاب، بحسب تعبيره، او التطبيع مع دولة
الاحتال وتبني مشروع السام.
الرد الايراني
وفي المقابل تواصل ايران مناوراتها السياسية
والعسكرية، للضغط على الجانب الاميركي من
زاويتين. الاولى تأكيد رفضها المس بالاتفاق، او ربطه
بأي محادثات اخرى تخص شؤون المنطقة، تاركة الباب
مفتوحا حول امكانية العمل المشترك لانهاء الحروب
والازمات التي تواجه دولا عديدة في المنطقة العربية،
باعتبارها قوة اقليمية فاعلة، ودون اي ارتباط بالاتفاق
حول برنامجها النووي.
بينما ترفض طهران رفضا مطلقا البحث في برنامجها
العسكري، الصاروخي او قدراتها البحرية والجوية، باعتبار
ذلك حقا سياديا لأي دولة تواجه تهديدات من جهات
عدة، بما فيها من الجانب الاميركي نفسه.
وتعيش ايران اليوم في حالة من الارتياح النسبي، عكس
ما تروج له البروباغندا الاميركية، وتشعر انها تجاوزت
الاصعب في ما يتعلق باحتواء نتائج الحصار الاقتصادي،
والعقوبات التي لم تبق قطاعا دون ان تطاله. وهنا
يتوقف المراقبون حول التصريحات التي ادلى بها مرشد
الثورة اية الله السيد علي خامنئي، في الثامن من يناير
2020 بأن الإيرانيين ليسوا مستعجلين لعودة واشنطن
إلى الاتفاق النووي، ولا يصرّون على ذلك.
وهذا التصريح يعكس بالفعل موقف تيار عريض في
ايران، يرى ان العقوبات كانت فرصة لتحقيق الاستقلال
الاقتصادي، الذي يصعب تحقيقه ضمن الارتباط
العضوي بمؤسسات المجتمع الدولي الاقتصادية
التي تهيمن عليها اميركا، وما تفرضه من تشوهات
وضغوط على اقتصادات الدول النامية.
فالاقتصاد الايراني تحت الحصار حقق نموا ايجابيا،
رغم تكاليف جائحة كوفيد 19 ، بحسب الرئيس حسن
روحاني، الذي وعد بالاحتفال بذكرى قيام الثورة هذا
العام، بشكل غير مسبوق، ردا على «اولئك الذين ارادوا
اركاعنا عن طريق الارهاب الاقتصادي ». وقال روحاني
إن الحرب الاقتصادية على إيران فشلت، وهي الآن
تعيش نهايتها، مضيفا أن ذلك «المجرم الشرير الذي
آذى الشعب الإيراني قد رحل الآن .»
حوار غير مباشر
واذا كان المعنيون في الشرق الاوسط يعتبرون العلاقة
الاميركية الايرانية مقياسا جديا لمسارت الاحداث في
المنطقة، فإن الاوروبيين ايضا يضعون هذه القضية
في صلب علاقتهم بالشريك الاميركي.
ولا يخفى ان انسحاب ترامب من الاتفاق النووي
زعزع ثقة الاوروبيين بالادارة الاميركية، ودفعهم
الى التمسك بالاتفاق حتى وان عجزوا، او لم يرغبوا
في التصعيد حد تعويض الغياب الاميركي، لما لذلك
من نتائج دراماتيكية على مجمل النظام العالمي.. بل
ظلوا يراهنون على عودة واشنطن الى الاتفاق، والى
الشراكة الدولية.
وفي خضم الجدل الراهن أكد الاتحاد الأوروبي الخميس
الماضي، رغبته في التعاون حول ملف إيران. وشدد
على أنّه «علينا إيجاد طريقة لعودة واشنطن إلى
الاتفاق النووي »، بعد حديث وزير الخارجيّة الأميركي،
أنتوني بلينكن، حول المسألة. ولعل اهمية التفاهم
مع ايران، تبدو من خال اصرار الجانب الاوروبي على
ابراز انه كان جزءا من المحادثات الهاتفية بين الرئيس
الاميركي الجديد والقادة الاوروبيين الرئيسيين، كما
فعل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمستشارة
الالمانية انجيا ميركل.
المفاوضاتا لشاقة
ولا تنكر ايران انها اوقفت العمل ببعض بنود الاتفاق
النووي، ولكنها تقول ان ذلك جاء ردا على تخلي الاطراف
الاخرى، بما فيها الاتحاد الاوروبي عن التزاماتها..
وفي منظور طهران ان الخطوات التي اقدمت عليها،
بل هي تهدد بالمزيد منها، جزء من حقها بحسب
نص الاتفاق ذاته. فهذه الاتفاقات تعاقدية، بمعنى
انها تفرض التزامات متبادلة ومتزامنة.. وهذا ما اكده
رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف بالقول إن
«كل إجراءاتنا النوويّة هي في إطار الاتفاق النووي
ووفق المادتين 36 و 37 منه ». وخال مؤتمر صحفي
في منشأة فوردو النووية، الى جانب رئيس منظمة
الطاقة الذرية الإيرانيّة علي أكبر صالحي، لفت قاليباف
إلى أن «مجموعة 5+ 1 لم تلتزم بتعهداتها، لذلك نحن
أيضاً غير ملزمين بالالتزام بتعهداتنا .»
وفي رده على بلينكن اتهم مندوب إيران الدائم لدى
الأمم المتحدة، مجيد تخت روانتشي، «الإدارة الأميركية
الجديدة، وعلى غرار الإدارة السابقة، بانتهاك تعهداتها
المنصوص عليها في الاتفاق النووي، وقرار مجلس
الأمن الدولي رقم »2231 . واكد أن تخصيب إيران
لليورانيوم بنسبة ؜ 20% هو في إطار بنود الاتفاق
النووي، خاصة البند 36 مشيرا الى ن ايران ظلت
وحدها تنفذ التزاماتها بالاتفاق مدة ثاث سنوات
ونصف السنة.
عقدة الثقة
وكان بلينكن قد قال في أول مؤتمر صحافي له إن
“الرئيس بايدن أوضح أنه إذا أوفت إيران مجددا بكل
التزاماتها” فإن الولايات المتحدة ستفعل الأمر نفسه”.
مشيرا الى ان الامر سيستغرق وقتا حتى نتمكن من
تقييم ما إذا كانت طهران تفي بالتزاماتها. وما زلنا
بعيدين جدا عن ذلك.
وهو ما يوحي بأن المفاوضات بين الجانبين ستكون
شاقة على الأرجح؛ لأن إيران تطلب العكس تماما.
وفي مقال نشره في مجلة “فورين أفيرز، قال محمد
جواد ظريف: “ان على الحكومة الجديدة في واشنطن
حسم خيارها: تبني سياسات إدارة ترامب الفاشلة.. أو
إنهاء سياسة الضغوط القصوى والعودة إلى الاتفاق
الذي تخلى عنه سلفه”.
وعبرت صحيفة الفايننشال تايمز عما يمكن ان نسميه
ازمة الثقة بين الجانبين، في مقال للكاتب ديفيد
غاردنر حول إعادة الحياة للاتفاق النووي الإيراني
باعتباره اصعب اختبار لبايدن.
ويرى الكاتب أن “كلا الجانبين يتبنى نهج “أنت أولا”، إذ
ترى إيران أن الكرة في ملعب أمريكا منذ أن مزقت إدارة
ترامب من جانب واحد صفقة كانت طهران تنفذها
في ذلك الوقت، ويقول فريق بايدن إن إيران يجب
أن تستأنف أولا الامتثال لاتفاق ″ 2015 ، بعد أن رفعت
تخصيب اليورانيوم فوق المستويات المتفق عليها.
ومسألة الثقة مهمة في هذه المعركة.. فمن سيقدم
الدليل على حسن النية؟ سؤال مطروح. والسؤال الاخر
هل يكفي حسن النية ام يحتاج الامر الى ضمانات
اخرى، على ضوء التجربة المريرة التي تسببت بها ادارة
ترامب وسياساتها في المنطقة التي افقدت الولايات
المتحدة ثقة الحلفاء والأعداء بها.
ونعود الى ما اعلنه روانتشي في الامم المتحدة حول
الاستفزازات الاميركية التي أوصلت المنطقة إلى حافة
حرب كارثية ولعدة مرات، كما قال، مشيراً إلى أن الحرب
لم تندلع، فقط بسبب صبر وحكمة القيادة الايرانية.
وواقع الحال ان قسما كبيرا من الايرانيين كانوا
يشككون بالنوايا الاميركية، منذ البداية، ووصفوا الاتفاق
عام 2015 بأنه عملية خداع. فبينما نظر الإيرانيون اليه
كطريق للعودة إلى العالم الحديث، اعتبره الاميركيون
خطوة لمحاولة تغيير النظام بالحرب الناعمة.
الطريق اذن ليست سهلة للعودة الى مسار 2015 ،
ويحتاج الى مبادرات جادة لاعادة الثقة بين الاطراف
كافة، الا ان الثابت ان الحوار بدأ فعا، على المنابر
الاعلامية وفي الكواليس، على السواء، وحتى الان على
الولايات المتحدة ان تنظف الطريق من الالغام التي
تركتها حقبة بومبيو – نتنياهو السوداء.

(Visited 2 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *