علاء الخطيب
إن مشاهد المدنيين الفلسطينيين وهم يقتلون بالصواريخ وقصف الطائرات، والأطفال والنساء الذين يموتونوهم في المستشفيات ، وامريكا التي تدعم بالمال والسلاح والاعلام وتزوير الحقائق و تشويه التاريخ ،والقصف الذي طال مستشفى المعمداني في غزة ، كلها مشاهد مروعة ومقززة ، لكنها أظهرت بذات الوقت حقيقة الفوضى العالمية واستفراد الاقوياء بالضعفاء، وعودة القضية الفلسطينية الى مكانها الصحيح ،كقضية ظلم من جانب وحق من جانب اخر .
إن إسرائيل تتحدى العالم العقلاني المحب للسلام ، وامريكا تطبطب على كتفها و تقف معها بالباطل ،بحجة ان “العالم الحر ؟؟؟ “كله مهدد و امام خطر داهم ، ولا ادري من هو هذا العالم الحر !!!! .
إن حجم الانتقام الاسرائيلي بحق المدنيين في غزة ، يدحض العديد من الأوهام في رغبتها في اقامة سلامفي المنطقة او الخضوع للارادة الدولية والالتزام بالقانون الدولي، او حتى في قيمها المعلنة.
الوهم الأول هو أن إسرائيل دولة تعترف بحقوق الانسان وانها ديمقراطية، ملتزمة بالقانون الدولي وحقوقالانسان .
الوهم الثاني ان اسرائيل يمكن ان تحاور الفلسطينيين وتقبل بحل الدولتين .
الوهم الثالث هو ان اسرائيل ممكن ان تتعايش بسلام مع الفلسطينيين ، وهذا غير موجود في قاموس الدولةالعبرية ، التي تقول ان حدود دولتها من النيل الى الفرات وفي نشيدها الوطني .
الوهم الرابع هو ان تنظر اسرائيل الى العرب في فلسطين كبشر لهم حقوقهم الانسانية .
الوهم الخامس ان العالم سيقف مع الحق الفلسطيني ويدعم المبادرة العربية .
لقد تنازل الفلسطينيون في اوسلو على امل ان تنصاع اسرائيل لمنطق السلام وتطبق القرارات الدولية التيتدعوها الى العودة لحدود 67 وارجاع القدس الشرقية .
واقتنعوا بان العالم سيقف معهم وان امريكا ستكون راعي حقيقي لعناية السلام ، لكنهم خدعوا، وتبين لهم ان احلامهم كانت كاحلام العصافير ، تبخرت يوماً بعد يوم، وهم يرون اتساع رقعة بناء المستوطنات التياحاطت بهم من كل جانب وقطعت اوصال بلدهم.
الوهم السادس افتراض حسن النوايا في انسحاب اسرائيل من غزة .
نعم تنازلت إسرائيل عن غزة للفلسطينيين في عام 2005، لكن جعلتها سجن كبير لهم ، لا يحق لهم السفر ولاالعمل. ولا الدراسة ولا يتمتعون باي حقوق انسانية ، محاصرون في بقعة جغرافية مكتظة بالبشر و مهددونبارزاقهم وقوتهم .
الوهم السابع انتقد المقاومة كي تكون متحضراً ومع العالم الحر !!!
المنتقدون للمقاومة ولحماس لم يعيشوا في غزة ولم يعاني اطفالهم ونسائهم كما يعانون اهالي غزة ، وليسعليهم ان يأخذوا تصاريح عمل من الاسرائيليين كي يجلبوا قوت عيالهم، ولم يواجهوا اليأس كما يواجههالغزاويون.
لا يمكن ان يتخلى احد عن حريته وعن كرامته ولا يمكن ان يعيش ذليلاً تحت رحمة جلاده .
ما قيمة الانسان دون حرية.
وكيف يتعايش الفلسطينيون مع الاسرائيلين دون حرية .
وكأن
لوركا شاعر اسبانيا الكبير يردد مقولته لحبيبته ماريانا: “ ما الإنسان دون حرية يا ماريانا؟
قولي لي..
كيف أستطيع أن أحبك إذا لم أكن حراً؟
كيف أهبكِ قلبي إذا لم يكن ملكي؟
لقد واجه الفلسطينيون خيارات صعبة ، وتنازلوا كثيرا ، وبنوايا حسنه ، لكنهم لم يجدوا شريكاً حقيقياً راغباً بالسلام ، ويبدو ان ماقبل السابع من اكتوبر ليس كما بعده، فالوضع قد تبدل والخيارات اصبحت اكثرصعوبة بالنسبة لاسرائيل .
لقد تغيرت المعادلة كلياً ، فليس باستطاعت اسرائيل ارجاع عقارب. الساعة و فرض شروطها السابقة ، كما لايسعها ان تفعل ما تشاء ، فهي تهدد بدخول غزة وتعلم ان هذا سيكلفها الكثير ، كما انها تعلم تماماً القاعدة العسكرية التي تقول ان“ المدن مقبرة الجيوش”
دخلت الحرب يومها الخامس عشر وما زالت اسرائيل لم تحقق نصراً يذكر او حتى الانتقام من قادة حماس كما وعدت ، لاستعادة هيبتها التي هدرها جنود حماس ، و ايضاً لا زالت تفكر كيف تحفظ ما تبقى من ماءوجه جيشها واستخباراتها وقبتها الحديدية، وتخرج باقل الخسائر ، ورغم القسوة التي مارستها ضدالمدنيين إلا ان هذا لم يثني حماس عن هدفها وخطتها التي رسمتها لهذه العملية .
وبدت الدولة العبرية تخشى من توسع نطاق الحرب وراحت امريكا تتوسل بالدول للضغط على حزب اللهوايران بعدم توسيع نطاق الحرب .
ونشطت الدبلوماسية الايرانية في العالم وحاولت ان تصنع رأياً عاماً حول الحرب ونجحت الى حدٍ ما .
علاوة على صمت حزب الله المحير الذي اقلق امريكا واسرائيل وباتوا ينتظرون ما سيقوله نصر الله .
لقد كشفت الحرب عن المخاطر الكبيرة التي تكتنف الشرق الاوسط بغياب حل عادل وشامل للقضيةالفلسطينية، كما اظهرت. ان لا استقرار في الشرق الاوسط دون الرجوع الى الشرعية الدولية ، وان التطبيع لايغييب القضية وان كل ما قامت به اسرائيل لا يمكن ان يكون بديلاً عن الحقوق للشعب الفلسطيني .
فقد اعاد الفلسطينيون قضيتهم الى الواجهة بفعل مدروس ومخطط له ، بعد ان كادت تنسى .