دلال جويد
قبل مدة رحلت الفنانة البريطانية العراقية لورنا سليم زوجة الفنان الراحل جواد سليم عن عمر يناهز الثامنة والتسعين، في مدينة ويلز البريطانية في بيت عائلتها، تاركة خلفها إرثا فنيا وجماليا مهما في التشكيل العراقي، فهي واحدة ممن أشرفوا على متابعة اكمال نصب الحرية بعد رحيل الفنان جواد سليم. كما أنها من أوائل من رسموا الحياة العراقية بوجوه نسائها وتفاصيل بيوت بغداد القديمة وواجهاتها. ومع ذلك لم يلتفت كثير من المهتمين بالفن من العراقيين بما قدمته لورنا للفن العراقي، ولم تحصل على التكريم المناسب في سنوات حياتها الأخيرة مع أن نصب الحرية شكل علامة فارقة في تاريخ العراق.
ولدت لورا سليم عام 1928 في مدينة شفيلد وسط إنجلترا، وهي ثانية طفلتين لأب يعلم الموسيقى فتعلمت عزف الكمان منذ طفولتها، وقبل أن تصل إلى العاشرة من عمرها توفيت أختها إثر مرض غامض فنشأت وحيدة أبويها. وأنهت دراستها الثانوية مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكانت ترسم كثيرا لكن خيارها الأول في اكمال تعليمها الجامعي وقع على الدراسة في كلية المعلمين في “ريدينغ” ثم عدلت عنه، لتقدم أوراقها ورسوماتها إلى كلية “سليد” للفنون الجميلة في لندن ويتم قبولها حيث تلتقي هناك بجواد سليم وتبدأ رحلتها مع الحب والفن وبغداد.
التقت لورنا بجواد سليم عام 1946 ولم يجمعهما الرسم في البداية وإنما حب الموسيقى والتدرب على العزف معا، حيث كان جواد يعزف على الغيتار وهي تعزف على الكمان. وبعدها تطورت العلاقة ليتقدم جواد لخطبتها من والديها، ولم يتزوجا إلا بعد أن لحقت به في بغداد
عام 1950 وصلت الفنانة البريطانية لورنا هيلز إلى مطار بغداد، لتبدأ بعدها حياة جديدة حافلة بالكفاح والابداع، بعد أن تغير اسمها إلى لورنا سليم بزواجها من الفنان الراحل جواد سليم الذي كانت ثمرته طفلتين هما زينب ومريم. ولم تكتف لورنا بدخول البيت البغدادي والعيش فيه، وانما رسمته بتفاصيل واجهاته الدقيقة فكانت واحدة من الفنانين القلائل في ذلك الوقت الذين وثقوا الشناشيل البغدادية وعمارة البيوت التي بدأت تمتد إليها يد الهدم، مع حركة التغير التي كانت تسود بغداد آنذاك، وكانت تجلس قبالة المباني ترسمها غير مستعينة بالتصوير. وهي واحدة من ثلاثة فنانين عراقيين فقط حصلوا على ميدالية كولبنكيان لمساهمتهم في الفن العراقي الحديث.
كما كانت من الفنانات الأوائل اللائي انتبهن إلى الحياة الشعبية وتفاصيل النساء الريفيات وأزيائهن البراقة، فقد رسمت بائعات اللبن والقيمر وهن يعبرن الازقة بقامات مفرودة وألوان بهيجة، وكانت مأخوذة بطريقة حياتهن، وغالبا ما تجلسهن أمامها لرسمهن بعد أن تحصل على موافقتهن في وقت من الصعب الحصول على نساء موديل للوحات الفنية.
وقد رسمت كذلك بيوت القصب على ضفاف النهر، كما اهتمت بالعمارة التاريخية ورسم البنايات التاريخية وواجهاتها. بينما أهتم جواد برسم القباب والمنائر وقد شكلت مع زوجها ثنائيا في الاهتمام بالبغداديات، ولم تكن تخفي تأثرها به، مع اختلاف اسلوبيهما في الرسم.
بعد رحيل جواد سليم إثر نوبة قلبية عام 1961، وجدت نفسها أما مسؤولية حياتها وحياة أطفالها وحدها، لكنها استطاعت أن تأخذ دورا فاعلا في إكمال جدارية نصب الحرية، وهي التي شاركته في تفاصيل عمله منذ البداية حيث سافرت معه إلى إيطاليا لصب قوالب النصب، واستلمت مسؤولية إدارة العمل بعده فساهمت في اكمال مرحلته الأخيرة حيث رسمت اللوحة التي تعلق عليها القطع الفنية ودامت على الحضور يوميا إلى مكان انجاز المشروع للتأكد من انجاز جميع تفاصيله، حيث رحل زوجها مبكرا قبل أن يشاهد إنجازه معروضا في بغداد. وقد حرصت على البقاء في بغداد مع طفلتيها بعد وفاته، على الرغم من العوز المادي الذي رافق حياتها في تلك الفترة، وهي لا تمتلك بيتا ولا حتى قطعة أرض في بغداد. لكنها حصلت على الجواز العراقي وعملت في التدريس في كلية البنات، كما درّست الرسم في قسم الهندسة المعمارية في جامعة بغداد بمساعدة الدكتور رفعة الجادرجي.
بعد عشر سنوات من رحيل جواد غادرت لورنا وبناتها العراق عائدة إلى بلدها الأم حاملة معها ذكريات حياتها في بغداد ولم تمتلك من ارث زوجها الفني إلى لوحتين إحداهما لوحة لورنا التي رسمها لها جواد عام 1948 في بداية علاقتهما بلدن وكتب عليها بالعربية ( لورنا لندن)
لم تحتفظ لورنا بالكثير من لوحاتها فقد أهتم كثيرون باقتنائها، ونجد اليوم بعضا منها معروضا في مزاد كريستيز للوحات العالمية.
مبدعة اللوحات البغدادية
دلال جويد
قبل مدة رحلت الفنانة البريطانية العراقية لورنا سليم زوجة الفنان الراحل جواد سليم عن عمر يناهز الثامنة والتسعين، في مدينة ويلز البريطانية في بيت عائلتها، تاركة خلفها إرثا فنيا وجماليا مهما في التشكيل العراقي، فهي واحدة ممن أشرفوا على متابعة اكمال نصب الحرية بعد رحيل الفنان جواد سليم. كما أنها من أوائل من رسموا الحياة العراقية بوجوه نسائها وتفاصيل بيوت بغداد القديمة وواجهاتها. ومع ذلك لم يلتفت كثير من المهتمين بالفن من العراقيين بما قدمته لورنا للفن العراقي، ولم تحصل على التكريم المناسب في سنوات حياتها الأخيرة مع أن نصب الحرية شكل علامة فارقة في تاريخ العراق.
ولدت لورا سليم عام 1928 في مدينة شفيلد وسط إنجلترا، وهي ثانية طفلتين لأب يعلم الموسيقى فتعلمت عزف الكمان منذ طفولتها، وقبل أن تصل إلى العاشرة من عمرها توفيت أختها إثر مرض غامض فنشأت وحيدة أبويها. وأنهت دراستها الثانوية مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكانت ترسم كثيرا لكن خيارها الأول في اكمال تعليمها الجامعي وقع على الدراسة في كلية المعلمين في “ريدينغ” ثم عدلت عنه، لتقدم أوراقها ورسوماتها إلى كلية “سليد” للفنون الجميلة في لندن ويتم قبولها حيث تلتقي هناك بجواد سليم وتبدأ رحلتها مع الحب والفن وبغداد.
التقت لورنا بجواد سليم عام 1946 ولم يجمعهما الرسم في البداية وإنما حب الموسيقى والتدرب على العزف معا، حيث كان جواد يعزف على الغيتار وهي تعزف على الكمان. وبعدها تطورت العلاقة ليتقدم جواد لخطبتها من والديها، ولم يتزوجا إلا بعد أن لحقت به في بغداد
عام 1950 وصلت الفنانة البريطانية لورنا هيلز إلى مطار بغداد، لتبدأ بعدها حياة جديدة حافلة بالكفاح والابداع، بعد أن تغير اسمها إلى لورنا سليم بزواجها من الفنان الراحل جواد سليم الذي كانت ثمرته طفلتين هما زينب ومريم. ولم تكتف لورنا بدخول البيت البغدادي والعيش فيه، وانما رسمته بتفاصيل واجهاته الدقيقة فكانت واحدة من الفنانين القلائل في ذلك الوقت الذين وثقوا الشناشيل البغدادية وعمارة البيوت التي بدأت تمتد إليها يد الهدم، مع حركة التغير التي كانت تسود بغداد آنذاك، وكانت تجلس قبالة المباني ترسمها غير مستعينة بالتصوير. وهي واحدة من ثلاثة فنانين عراقيين فقط حصلوا على ميدالية كولبنكيان لمساهمتهم في الفن العراقي الحديث.
كما كانت من الفنانات الأوائل اللائي انتبهن إلى الحياة الشعبية وتفاصيل النساء الريفيات وأزيائهن البراقة، فقد رسمت بائعات اللبن والقيمر وهن يعبرن الازقة بقامات مفرودة وألوان بهيجة، وكانت مأخوذة بطريقة حياتهن، وغالبا ما تجلسهن أمامها لرسمهن بعد أن تحصل على موافقتهن في وقت من الصعب الحصول على نساء موديل للوحات الفنية.
وقد رسمت كذلك بيوت القصب على ضفاف النهر، كما اهتمت بالعمارة التاريخية ورسم البنايات التاريخية وواجهاتها. بينما أهتم جواد برسم القباب والمنائر وقد شكلت مع زوجها ثنائيا في الاهتمام بالبغداديات، ولم تكن تخفي تأثرها به، مع اختلاف اسلوبيهما في الرسم.
بعد رحيل جواد سليم إثر نوبة قلبية عام 1961، وجدت نفسها أما مسؤولية حياتها وحياة أطفالها وحدها، لكنها استطاعت أن تأخذ دورا فاعلا في إكمال جدارية نصب الحرية، وهي التي شاركته في تفاصيل عمله منذ البداية حيث سافرت معه إلى إيطاليا لصب قوالب النصب، واستلمت مسؤولية إدارة العمل بعده فساهمت في اكمال مرحلته الأخيرة حيث رسمت اللوحة التي تعلق عليها القطع الفنية ودامت على الحضور يوميا إلى مكان انجاز المشروع للتأكد من انجاز جميع تفاصيله، حيث رحل زوجها مبكرا قبل أن يشاهد إنجازه معروضا في بغداد. وقد حرصت على البقاء في بغداد مع طفلتيها بعد وفاته، على الرغم من العوز المادي الذي رافق حياتها في تلك الفترة، وهي لا تمتلك بيتا ولا حتى قطعة أرض في بغداد. لكنها حصلت على الجواز العراقي وعملت في التدريس في كلية البنات، كما درّست الرسم في قسم الهندسة المعمارية في جامعة بغداد بمساعدة الدكتور رفعة الجادرجي.
بعد عشر سنوات من رحيل جواد غادرت لورنا وبناتها العراق عائدة إلى بلدها الأم حاملة معها ذكريات حياتها في بغداد ولم تمتلك من ارث زوجها الفني إلى لوحتين إحداهما لوحة لورنا التي رسمها لها جواد عام 1948 في بداية علاقتهما بلدن وكتب عليها بالعربية ( لورنا لندن)
لم تحتفظ لورنا بالكثير من لوحاتها فقد أهتم كثيرون باقتنائها، ونجد اليوم بعضا منها معروضا في مزاد كريستيز للوحات العالمية.