محمد مزيد – قاص عراقي
حين دخلنا إلى القصر الجمهوري ، مع الرعاع اللصوص ، الذين فقدوا أعصابهم وهم يلتقطون كل شيء في طريقهم ، وجدنا سلماً في باحة القصر ، يؤدي الى غرف نوم الرئيس لم يصل إليه أحد بعد ، طوينا السلم نصعده بخفة ورشاقة، ثلاث درجات تلي ثلاث ، حتى وصلنا الى باحة آخرى كبيرة تتفرع منها غرف نوم عديدة ، دخلنا الى أقرب غرفة ، مازالت آثار نوم ليلة البارحة واضحة على الشرشف غير المرتب فوق السرير ، وثمة ملابس نسائية متناثرة على الأرض ، وقفنا في منتصف الغرفة ، لاحظت ثمة باب حمام داخلي خاص بها ، دفعني الفضول لافتحه ، فاذا بنا نكتشف أن فتاة بيضاء ذات شعر أشقر تتمدد عارية في البانيو ، ولاتدري ، كما يبدو ، ماذا يحصل خارج الغرفة من جحيم وفرهود .. تلك هي الفتاة الأوكرانية التي سمعنا عنها وهي واحدة من محظيات الرئيس التي ما أن رأتنا حتى نهضت مذعورة من رقودها في مياه البانيو …كانت تريد أن تقول لنا شيئا ، وبمشقة بالغة وأرتباك وذعر قالت بانكليزية ” ماذا جرى ” ؟ ثم وضعت خصلتي شعرها الذهبي الطويل على صدرها المكشوف ، عدلت لها الخصلة بعد أن أنكشاف نهدها الأيسر، لم تمنعني من ملامستها ، لكنها فغرت فاها متعجبة . كان يجب أن نتصرف مع الوقت بحذاقة ولا ندع للرعاع فرصة رؤية هذه الفتاة الجميلة الساحرة التي وضعتها الأقدار داخل القصر في تلك الساعات التي يزدحم بها الشبان الهائجين ، ألتفت الى جدار ذا مرآة عجيبة لصقت من أعلى السقف الى الأرض، فوجدت برنصا أبيض معلقا بجانبها ، كانت مذعورة وخائفة ، تريد أن تبكي ، فأخذت البرنص ووضعته على جسدها من جهة ظهرها المرمري الابيض كالثلج، أثناء خروجها من البانيو ، عندئذ نظرتني نظرة حانية ، لاحظت أرتجاف شفتيها ، بقيت تلك النظرة محفورة في ذاكرتي حتى ساعة أعدام الرئيس بعد سنوات . أمسكت بيدها وأنا أشد حذرا منها وخوفا لئلا يقتحم الرعاع الغرفة ونضيع في متاهة الجنون وهستيريا الشبان الذين يتصايحون في الاسفل وهم يسرقون كل ما تقع عليهم عيونهم وايديهم من مقتنيات القصر ، كنت حريصا مع زملائي الآخرين أن نحمي هذه الفتاة من المصير المجهول الذي ستلاقيه على يد هذه الأعداد الهائلة من شبان الحواسم الذي بدأ بعضهم يصعد السلم المؤدي الى غرف النوم في الطابق العلوي حيث كنا نتواجد ، طلبنا منها أن ترتدي ملابسها بسرعة ، ولما أرتدت ثوبها القصير الذي يكشف الساقين ، كان أهدأنا وأكثرنا عقلا وحكمة قد جلب ملابس عربية عبارة عن دشداشة وعباءة رجالية وعقال ويشماغ ، سحبها من أحد الدواليب العديدة في الغرفة ، وقال لنا أن ملابسها هذه لا تنفع في درء خطر محدق يمكن أن يحصل لها ولنا أن خرجنا بها من القصر، يفضل أن ترتدي ملابس رجالية ، ولما وجدنا أنفسنا قد نجحنا في التمويه عليها بإرتدائها الملابس الرجالية ، بقي علينا أنتظار الوقت المناسب للخروج من القصر ، في تلك الاثناء ، بدأت طلائع الصاعدين الى غرف النوم تتوافد الى الطابق العلوي ، بعضهم،عندما وجدنا في هذه الغرفة انتقلوا فورا الى الغرف الاخرى، الا أن احدهم وكان الشرر يتطاير من عينيه ، القى نظرة مستفهمة على الفتاة ونحن نحيط بها لمنع رؤيتها ، بقي صافنا ، ونظنه بدأ يستكشف سبب بقاءنا واقفين نحيط الرجل الأبيض جميل الوجه بملابسه العربية ، تمكنت من دفعه وقلت له هذه الغرفة من حصتنا واريته المسدس الذي عثرت عليه في أحد أدراج السرير كنت قد علقته تحت الحزام بخاصرتي ففر هاربا ، الى غرف آخرى يحث جماعته من الرعاع ليلحقوا به ، جلست الفتاة على حافة السرير محنية الرأس فقلت لها ، لسنا من العالم السفلي كما تظنين ، لسنا من عالم رديسوس ، فرفعت رأسها ونظرتني تلك النظرة نفسها التي رأيتها قبل قليل في الحمام، نظرة بقيت في ذاكرتي حتى لحظة سقوط النظام في الحفرة .