الثور المجنح : عبقرية الفنان الرافديني / مصدق الحبيب

الثور المجنح : عبقرية الفنان الرافديني / مصدق الحبيب

 

مصدق الحبيب

الثور المجنح واحد من شواهد ابداع الفنان العراقي وسعة خياله وتفوق مهارته التشكيلية وقوة تنفيذه التكنيكي منذ فجر الحضارات الاولى ..انه مخلوق خرافي جادت به فنطازية الفنان العراقي الذي اختلقه كهجين برأس انسان وجسم ثور واجنحة نسر. وهو رمز القوة والثبات في الميثولوجيا الرافدينية عموما، حيث تبناه العراقيون القدماء حسب اعتقادهم الرافديني كحارس لحماية البيوت الخاصة والبنايات العامة وبوابات المدن من الارواح الشريرة والاعتداءات والتدمير.
وبالرغم من انه عرف كرمز آشوري فانه كان موجودا ايضا عبر الحضارات الكبرى الاخرى، السومرية والاكدية والبابلية. ولكن اكتشافه في النمرود عام 1845 رسخ نسبته الى الحضارة الاشورية حيث قادت الحفريات الى زوج منه يحرسان بوابة مدينة دور شروكين المطمورة والتي شيدها سرجون الثاني في القرن السابع قبل الميلاد.
يبلغ ارتفاع التمثال 4.5 متر ووزنه 30 طن. فلخيالها الجميل وسحرها التشكيلي اصبحت هذه الفكرة وهذا الرمز الجليل وبصيغ مختلفة ايقونة متداولة في كل مكان من هذا العالم..ولكن، ويالسخرية القدر فليس هناك مايشير له في الحياة العراقية العامة بما يتناسب معه كرمز تاريخي صميم نفتخر به؟؟

من الحقائق المدهشة والطريفة عن الثور المجنح هو ان لديه طرفا خامسا، وهي خدعة بصرية ذكية سبقت وقتها اراد بها النحات الرافديني الايحاء للمشاهد بان الثور يمشي اذا ما نظر اليه المشاهد من الجانب لان الطرف الامامي البعيد سيختفي وراء الطرف الامامي القريب. كما انها توحي للمشاهد من الامام بان الثور واقف لان طرفيه الاماميين مصطفان على نفس الخط، بينما يختفي الطرف الخامس وراء الطرف الامامي الايسر..فلك ان تتأمل هذه العبقرية البصرية الهندسية والفكرة غير التقليدية التي تنطوي على خيال شاسع امتد الى ماوراء المألوف .. كما انها تشير الى مدى الحرية التي تمتع بها الفنان الرافديني في الحضارات الاولى حيث لم يسجل التاريخ اي اعتراض لحرية الفنان او التعرض لها من قبل الكهنة بحجة تحوير الطبيعة فنيا ومجازيا.. وكل ذلك كان من ملكة عقل الانسان العراقي قبل اكثر من 3000 سنة.

(Visited 145 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *