مصدق الحبيب
هذه هي لوحة “حزيران اللاهب” Flaming June . وهي آخر واشهر لوحة للفنان الانگليزي اللورد فريديرك لايتن 1830-1896 Lord Frederic Leighton التي رسمها عام 1895، اي قبل عام واحد او اقل من وفاته. والعنوان، في اعتقادي، ينطوي على تورية ادبية تجمع بين حرارة الفاتنة التي قد يكون اسمها جون ولهيب ذلك اليوم الحزيراني الذي نرى فيه الشمس المتلألئة تلسع صفحة البحر في خلفية اللوحة.
وهذا ما يثير المشاهد ويجعل اللوحة تبقى في مخيلته، خاصة مع ثوب المرأة البرتقالي المتوهج وشبه الشفاف الذي تظهر من خلاله مفاتنها خلسة. فهذا اللون البراق المثير للحواس يغزو العيون ويخترق اللاوعي فيحمل المشاهد على ان يتلصص بنظره ويمعن في خبايا الثوب طويلا. ومايثير الفضول ايضا هو تكورالجسد على الاريكة بهذا الشكل الجنيني المحاط بالاغطية الشفافة.
يقول بعض مؤرخي الفن ان اللورد لايتن كان قد رسم ممثلة المسرح الانگليزية الجميلة دورثي دين (1859-1899) التي كانت في يوم قائض تغفو على اريكته وقد درجت عادتها ان تتردد على استوديو الفنان وتجلس له كموديل، كما انها كانت تجلس ايضا كموديل لعدد آخر من زملائه من فناني ذلك الزمن بصفتهم اصدقائها ومعارفها ومنهم الفنان الشهير جان ايفرت ميليه. اضافة الى ذلك فقد استنطق النقاد مقاصد الفنان الذي وضع على مقربة من هذه الحسناء النائمة باقة من ازهار الدفلى المبهجة العطر والسامة والتي غالبا ماتستخدم في الترميز الى الموت! وكأن الفنان اراد ان يجسد تناقض الحياة الازلي فيقول ان هذا الجمال والسلام والطمأنينة هو قاب قوسين او ادنى من الزوال، ذلك ان الموت هو حتمية الحياة مهما كانت هذه الحياة رائعة وممتعة. ومن سخريات القدر ان دورثي توفت في عز شبابها وتألقها وهي لم تبلغ الاربعين.
من الطريف ايضا ان هذه اللوحة التي اصبحت اشهر من نار على علم لم يتمكن اصحاب الگاليري في لندن من بيعها حتى بعد ان نزل سعرها الى 140 دولار خلال عدة عروض بين 1961 و1962. ولكن في عام 1963 كانت اللوحة قد عرضت في گاليري في امستردام وصادف ان يزور الگاليري احد سياسيي بورتريكو الذي كان يتبضع القطع الفنية للمتحف الذي اسسه آنذاك في بورتريكو فاشتراها بمبلغ 1000 دولار لكنه لم يتمكن من الدفع الآني بل وعد ان يرسل المبلغ الى الكاليري بعد عودته الى بورتريكو. ولاشك فان اللوحة اليوم تقدر بعشرات الملايين او اكثر من الدولارات.