الوعي الديني.. العقلانية و المسافة / دقيق عبد الله

الوعي الديني.. العقلانية و المسافة / دقيق عبد الله

رقيق عبد الله

كاتب جزائري

 

ان الإيمان بالوعي الديني القائم على ان وجوده ضرورة لاختياراتِنا العقلانيةِ و قانون الأخلاق الجمعي يجعل منا نسلم عبر تحييد التجربةِ الحسيةِ و الاعتراف بقصورِ العقلِ عن تصورِ المطلق، و ان استعمال العقلِ لا يتم الا وفق إدراكِ حدودِهِ المعرفيةِ في إطارٍ من العقلانيةِ وجوهر الهوية و الجذور، كذا إنسانية الملامح و الآفاق.
فالعقلانية تتعدد بتعدد الثقافات و هي إحدى المسبقيات المعرفية التي فرضت نفسها في ثنايا الفكر الانساني، لكنها عجزت كممارسة قائمة عن الإيمان بقدرة العقل و على تفسير المعقول و اللامعقول او حتى محاولتها تأسيس لتنظير عميق لسيرورة سردانية الوعي الديني و التحولات الكبرى، فكانت مرجعيتها ماضوية تقليدية، فعوض أن تكون مرجعية ذات معقولية نابعة من الوعي الديني الفاعل بين الحياة و الذات، اكتفت بالمسافة الواقعة ما بين النظري والتطبيق، وإن الدين شيء، وتطبيقه شيء آخر.
ان سردانية الوعي الديني الذي لا يقبل النقد ولا المراجعة، تجمّد عند مرحلة تاريخية ماضوية، لا يريد مغادرتها أو نقدها أو تنويرها أو حتى إعادة صياغة هذا الوعي لتنقذه من ماضويته و سردانية المسافة الثابتة.
أن كل سردية دينية أخذت عن السردية التي سبقتها اضفت او انقصت عليها.
ان النص المقدس متعالي التكوين في حين أن العقل قاصر التفسير لانه خارجي و ليس داخلي، ومنه كلما أغلق العقل أو تعصب انتقل ذاك الى تفسير النص و كذا العكس.
ان منظومة الوعي الديني في تاريخ الانسانية لليوم لم تكن بتلك القوة التي تمكنها من ان تصمد أمام النقد العقلاني المنطقي الا عبر استثناء منهج العرفان و الذوق الذي تفوق على المنظومة الفقهية لا بتبريره لعجز الوعي الديني و عدم منطقيته وخروجه عن العقل وانما بفحص جذور عجز هذا العقل عن ادراك منطلقات النص، النسبية و المطلق.
ان المتصوفة بمنهجهم تجاوزوا اشكاليات الطرح القائم القائل ان عقولنا هي المكوّنُ لكلّ خِبراتِنا الحسّيةِ والمعرفيّة. لقد طرح المنهج الذوقي ان المعرفة هي ذاتية تعتمدُ على قُدُرات عقلِ المتلقّي للتّجرِبَةِ الحسّيةِ وليست تجرِبةً مطلقة. فوجودِ الله، وماهيتِه، وحريةِ الإرادةِ، وخلودِ الروحِ، لا يمكن مناقشتها بالعقل. فأيّ محاولةٍ للعقلِ في في استخلاصها تصل به للتناقض، لأنه عاجز عن تقديمَ برهانٍ مطلقٍ سواءٌ بالإيجابِ أو بالنفي.
إن الوعي الديني لا يتناقض مع العقلانية و ان تراءى لنا عجز العقل عن التفسير و الإدراك، لان الايمان ضرورة و الدين اختيار.

(Visited 10 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *