قصه قصيره
صاحب شير علي
بحكم العمل وكثرة اللقاءات ربطتني علاقة جيدة بأحد مهندسي منظمة الصليب الأحمر الدولي ICRC)) العاملة في العراق الإيطالي أليساندرو ، كان ذلك عام 2000 عندما نفذنا عملاً في مشروع ماء لصالح المنظمة ، وقتها كان أليساندرو المهندس المشرف على العمل ، كانت هكذا علاقة عليها محاذير كثيرة في ذلك الوقت كونها اتصال بشخص أجنبي ، وبرغم أنهم يعلمون انها علاقة عمل وواقع حال لايمكن تفاديه فقد تم استدعائي وسؤالي عن هذا الأمر الذي انتهى بانتهاء المشروع، بدافع الفضول سألتُ أليساندرو يوماً عن مقدار رواتب المهندسين العاملين في المنظمة فأجابني عن قيمة الراتب الأصلي ثم بدأ يذكر مقدار المخصصات المضافة اليه ، المخصصات الهندسية والسفر والإقامة والخطورة ، ثم سكتْ، أحسستُ انه لم يتم كلامه، تابعته مشيراً اليه بعيني أن يكمل، أتمم الرجل فقال متلعثماً ومخصصات توحش ..
مخصصات توحُّش ؟
بلا نُطق إستفسرتْ ملامح وجهي المذعورة عن هذه المخصصات، قال هذه لاتصرف لنا في كل البلدان وإنما في دولٍ معينة، فاستفهمتُ بعجلٍ وبحرقة
والعراقُ من ضمنها ؟؟
أطرق بعينه الى الأرض مُحرجاً وقد شاهد الجُرح بوجهي صريحاً واضحاً، قال نعم للأسف العراق من ضمنها .
كُنتُ عائداً من بغداد بصحبة صديقي المسرحي البارع المتخرج من معهد الفنون الجميلة على يد قاسم محمد وعوني كرومي، المثقف الذي لايمل الحديث عن برخت وستانسلافسكي وإعداد الممثل، كُنا نفخر ونشعر بنشوة ونحن نشاهده على شاشة التلفاز يمثل دوراً مهماً في مسرحية كتفاً بكتف مع الكبار، كُنا نجلس لوحدنا في حوض التكسي الخلفي وكان يحدثني عن برناردشو وكيف يوجه وعي المشاهد في مسرحياته يإسلوبه الساخر وضرب مثلاً بمسرحية المرآة حيث فتحت الستار ومرّت خمسة دقائق ولم يحدث حدث على خشبة المسرح فصعد الجمهور الى الخشبة ، لم يكن هناك شيء سوى مرآة كبيرة شاهدوا أنفسهم فيها وأزدحموا عليها وتدافعوا فكسروها، ختم حديثه فقال أراد برناردشو أن يقول للجمهور أنتم المسرحية أنتم بسلوككم مسرحية هزلية .. أوشكنا أن نصل، جرى جدل وتماحك بين صديقي وسائق التكسي الذي يقلنّا على مكان المحطة ألأخيرة التي سينزلنا فيها، أرتفع صوتهما ثم ارتفع أكثر وتحول الى شجار، كنتُ مذعوراً وأنا ارى صديقي وقد نزع سترته وفتح أزرار قميصه وفمه يقيء سيلاً بذيئاً يهون معه كل مالقفته اذناي طيلة عمري من قيح بذيء في شوارع المدن الخلفية، جحضتْ عيناه بشدة حتى خلت انهما ستندلقان من محجريهما وتتدحرجان على الأرض كرتين حمراوين وأبيض شاربه زبداً كثيفاً ، نزلا الى الأرض السائق بدشداشته وعصاه الغليضة التي استلها بخفة من تحت مقعده بسرعة، وصديقي الذي رغم كل نار الغضب المشتعلة فيه شاهدتُ ملامح لذة غريبة في وجهه ولمعان عينيه كان كمن ظفر بفرصة ثمينة ليمارس هواية محببة، كان السائق بارعاً باستخدام العصا رغم عوق في رجله اليسرى لكنه لم يستطع التغلب على صديقي برخت الذي لم يكن انساناً متوحشاً ساعتها بل كان وحشاً بلا أي ملمحٍ لبشر .. كسَرَ صديقي مرآة برناردشو حتى قبل أن يشاهد وجهه فيها، حاولتُ بلا نفع أن أكون المرآة أمام وجهه لأنه لحضتها كان بلا عينين، تركتُ المصارعَين على أسفلت الطريق وانسللت مستبطناً حزناً كبيراً على صديقي الإيطالي أليساندرو فقد كان راتبه قليل جداً .