كاظم حيدر…….رائد السينوغرافيا … كافي لازم

كاظم حيدر…….رائد السينوغرافيا … كافي لازم

كافي لازم

دأب نقاد المسرح ان يكتبوا دائما عن المخرج والممثل والنص دون الاكتراث لمكونات العرض الاخرى والتي تكاد ان تكون اساسية ولها فعلها القوي المؤثر في تجسيد الحالة الابداعية في العرض المسرحي وهذا ما اكده الفنان الراحل كاظم حيدر في معظم تصاميم اعماله فهو يصنع وجوده في النص. مما يضطر المخرج احيانا ان يتناغم مع ما ينجزه هذا الفنان وهي سابقة في تاريخ المسرح بمعنى اننا المتلقين لايمكن ان نتخيل العمل بدون بصمات هذا الرائد الكبير….والذي يتميز بالرصانه والهدوء والاريحيه في التعامل مع الاخرين
رحل عنا هذا الفنان المتفرد بعد معاناة مع المرض عام ١٩٨٥ بعمر ٥٣ عاما. نحن المسرحيون والحركة الثقافية والفنية خسرت فنان قل نظيره فهو بالاضافة الى كونه رساما بارعا مستمدا مواضيع لوحاته من بيئة المجتمع العراقي الشعبي وايقوناته التاريخية متخذا الفولكلور الشعبي وخاماته المحلية منطلقا من الاساطير المتداولة بواقعية تعبيرية.

 

صمم معظم ديكورات فرقة المسرح الفني الحديث حيث انتمى للفرقة في ستينات القرن الماضي .. ولي تجربة خاصة معه في عمل ديكور مسرحية (بغداد الازل) . اخراج الراحل قاسم محمد … يمتاز الفنان كاظم حيدر بسعة ثقافته المعرفيه. فهو عندما يكلف بتصميم ديكور مسرحية ما.. يأخذ النص ويدرسه دراستة مستفيضة لكي تتكون لديه الصوره الكامله بكل جوانبها الاجتماعيه والنفسيه والاقتصاديه وكذلك التراثيه والفولكلوريه ثم يبحث ميدانيا لفلسفة المكان في مساحة العرض المسرحي بتشكيل هندسي دقيق يتناسب مع حجم العرض وطبيعتة واحيانا يلجأ الى اقصى عمق المسرح بل ياخذ فضاء خشبة المسرح ولاابالغ حين اقول انه يأخذ حتى فضاء قاعه العرض كما فعل في مسرحيه (هاملت عربيا) مماجعل المشاهدين وكأنهم جلسوا في خيمة كبيره وسط الصحراء.. استغلال حتى ممرات القاعه لتشكيل لوحة تتناسب مع فكر وفلسفة العرض واهدافه. ربما هذا الذي فعله يتناسب مع بناية مسرح بغداد.. لكنه سيكون له حديثا اخر في مسرح اكبر وتقنيات اكثر حداثه…. وميزة اخرى لهذا الفنان الكبير بأنه متابع ذكي في العمل منذالتمارين الاولى لاسيما بعد ان تتوضح له الخطوط الاساسيه في العمل.. يبدل هنا ويغير هناك .خصوصا باستخدامه خامات مبتكره متنوعه من الخشب والحديد والفلين والقماش وحتى الجلود. كما انه يتدخل في شكل الاكسسوارات وتوزيع الاناره ودرجتها وحجمها. يعتبرها مكملا لما عمل في توزيع الكتل وتوازن اللوحه وهذا يسمى اليوم بالسينوغرافيا… مهمة اخرى لديه وهي بيئة المكان فهو زبون دائم في اسواق بغداد التراثية للبحث عن رموز شعبية تعينه في اكتمال الصورة. خير دليل في ذلك مسرحية (الخان). استخدم فقط مادة الجنفاص والتنك. وعندما نرى ديكور هذه المسرحية يوحي لنا بعمر المكان الى درجه ان المتلقي يشم رائحه رطوبة المكان… اما تجربتة في مسرحية بغداد الازل فهي مختلفه نوعا ما لاسيما عندما عرضت في دولة الجزائر.. وقد عرضت المسرحيه في اربعة مدن متباعده. حمل في الطائرة كل ادوات العمل مهما كبرت او صغرت من بغداد خوفا من ان يحتاج شيئا من السوق المحليه ولايجده.. فعندما وصلنا مدينة قسنطينه بساعة متاخره من الليل تفاجأنا بجدول العرض غدا مساءا فقلت له ماذا نعمل استاذ… فأشار لي وقال لايهم كافي غدا صباحا سنتصدى للعمل وننجزه حتما… عندما ذهبنا الى المسرح فاجأنا مسؤول القاعه بمنعنا بأن لاندق مسمار واحدا على الخشبه.. مع ذلك فالحل كان حاضرا عند كاظم حيدر.. فقال.. لابأس لاتقلقوا سنعلق الديكور كله بالحبال..وبدأنا العمل الكبير والمضني وساعة العرض تقترب.. يطلب مني لونا معينا وممزوجا بآخر وبدرجه معينه.. بدقائق اكون حاضرا.. وقال لي ماهذا كافي هل انت تشكيلي ام مسرحي واقول له انا رسام وممثل… انجز العمل قبيل العرض بدقائق واذكر ان الستاره افتتحت والاصباغ لم تجف بعد وكان ديكورا مبهرا مختلفا حتى عن ديكور مسرح بغداد الاصلي.. وهكذا بقية عروض المحافظات الاخرى ديكورا مختلفا تماما بمعنى ان كان يرسم لوحات عملاقه تحكي عن بغداد التاريخ وسحر الشرق تتناغم مع ايقاع وفكر العرض. الى درجه ان اقول وبدون مبالغه هو ان شكل القمر ولونه في بغداد الازل يختلف في اربعة عروض لمسرحية واحده…….. مؤسف هذا الفنان الكبير خسرناه مبكرا.. لروحه الطمأنية والسلام والذكر الطيب

(Visited 38 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *