مواويل جنوبية
عبدالسادة البصري
(( الإقتداء بسيرةٍ عظيمة ..! ))
عندما كنت صغيراً ،كنت أذهب مع أبي الى مجالس رمضان التي تقام في قريتنا ، فيأقصى جنوب القلب ، وأصغي بانتباه لما يقوله القارئ عن سيرة الإمام علي (ع) وفضائلهوصفاته وطريقة حكمه حتى انعجنت بمحبته بشكل لا يصدق. بعد ذلك قرأت ما كتبهالمحبّون والمبغضون الذين لم يجدوا ثغرة واحدة في سيرته ، حيث العدالة والإنسانيةوالنزاهة والإيثار والسعي الى ما ينفع الناس. فترسخت عندي قناعة تامة ومازالت بأنهذه الشخصية فريدة من نوعها عبر التاريخ رغم وقوف الفاسدين والمستبدين والساعينبالفتنة بين الناس ضده ومحاربتهم له وقتله !
استذكرت تلك الأيام وانا اقرأ وأسمع وأعيش في الخراب الذي سبّبه الفساد وعبثالعابثين في مقدّرات البلاد والعباد !
انّه أعدل حاكم عرفته البشرية ، على وفق ما جاء في احد تقارير الأمم المتحدة عام 2002 ،حيث تأكد للجميع انه ورغم قصر مدّة حكمه لكنه حكم بما يُرضي ضميره والإنسانيةجمعاء !
قال ذات يوم: “لو كان المال مالي لساويتُ بين الناس في توزيعه ، فكيف والمال مال الله“. وهذا دليل على إيمانه الشديد بمبدأ المساواة في توزيع الثروة ، والتي تُعتبر أولى بذورالاشتراكية في العمل قبل ظهورها كفلسفة ، وفي مكانٍ آخر يقول: “إذا شاهدتَ قصراًفتأكد أنّ خلفه ألف ألف كوخ” وهذا دليل آخر على كشفه للفاسدين ولصوص المالالساعين الى خراب النفوس والضمائر !
مآثره كثيرة لا تحصى ، من خلال سيرته التي ذكرها المؤرخون من الموالين وغيرهم وحتىالمستشرقين الذين أعجبوا بشخصيته أيما إعجاب ،، فإطفاؤه الشمعة بعد انتهاء عملهفي خدمة الناس وبقاؤه في الظلمة ، ووصيته إلى ابنه الحسن بعد أن ضربه بن ملجمقائلا “اطعمْ أسيرك مما تأكل واسقِه مما تشرب. فإذا متُّ فضربة بضربة وإذا عشتُ فأناأحكم فيه وربما أعفو عنه” !
إنها أخلاق الإنسانية العظيمة التي كان يتعامل بها مع الناس وحتى مع قاتله ، كذلكوصيّته إلى عامله على مصر مالك الاشتر التي يقول فيها: “اعلم إن الناس صنفان ، فأماأخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق” والتي تُعتبر قمّة التعامل الإنساني بين البشر ولاتفرق بين هذا وذاك على أساس الدين واللون والقومية !
و من مآثره ما يعجز اللسان عند الحديث عنها. لهذا علينا أن نكون حقيقيين في اقتدائنابسيرته، وأن نحكم بالعدل والمساواة والنزاهة بين الناس ، وان نجعل من أمورهم أولىمهامنا وان نحمل همومهم وأوجاعهم ، فلا يكون هناك فقير يتضوّر جوعاً وبرداً وحرا ،ولا يتيم لا يحصل على ثوبٍ يُفرحه في يوم عيد !
علينا أن نوزّع الثروة بالتساوي بين الناس ، ونحارب الفاسدين مهما كان موقعهموشخصهم ، ونفضحهم ونطالب بمحاسبتهم كي لا تكون هناك قصور وفلل ومقاطعات منالأراضي والأطيان ، مقابل أكواخ مهلهلة وبيوت صفيح وأطفال ونساء يتسولون فيتقاطعات الطرق ، وعوائل بلا سكن يليق بها ، ومدن بلا خدمات ومرضى بلا علاج ،وأرامل تندب حظها ويتامى عراة !
الاقتداء بالسيرة العظيمة هذه لا بالشعارات والخطابات الرنّانة وخداع الناس بالكلامالمعسول ، بل بالعمل الذي ينفعهم ، لأن خير الناس من نفعهم وخدمهم ومنحهم السعادةوسما بالوطن بناءً وعمراناً في كل حين !!!!!