هكذا عرفت الناصرية / علاء الخطيب

علاء الخطيب

شوق كبير رافقني وانا في رحلتي إلى الناصرية وسوق الشيوخ  ، لهفة من نوع آخر للهور  ولمضايف القصب  و البردي  ،  شعور مختلف  وانت تتنسم  عبق الجنوب  ، ليتجسد أمامك  كل ما قرأت او سمعت  عن  السومريين  ، في لحظة كنت أُمني نفسي ان أعيشها ، لأسير على الارض التي شهدت يوماً ما اعظم حضارة في تاريخ البشرية ، الرمال التي ولد فيها النبي”  إبراهيم  ” ومشى عليها الملك العظيم ” اور نمو ” وبنى زقورته البهية ،  حضارة ما زالت شامخة بآثارها ورموزها ،

كان مضيفي صديقي الإعلامي الاستاذ ناجي سلطان الزهيري ، المهووس بارضه وحضارته ، حريص على ان يطلعني على كل ما نستطيع الوصول اليه،  في رحلتي الاولى في حياتي إلى الناصرية .

كانت الشمس تتوسط الأفق ، بلونها الأرجواني  لتعكس أشعتها على مياه هور  ” ام الودع “  المحطة الاولى لنا ، وهي تحكي حكايات القصب والطين،  والطيور المهاجرة ، كما تحكي قسوة الانسان، والظلم والتهميش .

يقال ان أمّ الودع كانت محط رحال الآثاريين والباحثين ، ليكتشفوا حياة السومريين وأنماط معيشتهم، لكنها اليوم منطقة بائسة بسبب شُح المياه ،  والإهمال ، وصلنا اليها وإستقلينا قارباً ” شختوره ”   وذهبنا في جولة في عمق الطبيعة ، كان  دليلنا خالد الاسدي  يقرأ ” الأبوذية ” ويغني بصوته العذب الشجي لنرحل معه إلى حيث الوجع الجنوبي والجمال السومري واللهجة الأصيلة  .

لنستريح بعدها في مضيف القصب المذهل الذي توسطه  موقد ” دلال القهوة “

في المساء كان ديوان الشاعر ماجد السفاح يعج بالنخب ، وكنا على موعد مع مجلسه الثقافي ، وكرمه العربي الأصيل  .

  كان اليوم الثاني مذهلاً  افتتحناه بحضور ندوة في بين الاستاذ ابو صباح” جابر  السراي”   في الناصرية.

وبعدها كان اللقاء مع التاريخ والعراقة . مع السومريين في معاقلهم العتيدة .

  ونحن  نواجه  الزقورة من بعيد ،  وهو مكان عبادة السومريين  الذي بناه الملك ” أورنمو” ، هنا تشهد عظمة بلاد الرافدين ورسوخ حضارتها.

على هذه الارض  ولد القانون ، قبل ان يكتبه ” حمورابي ” في مسلته بثلاث قرون  ، إلى جانب المعبد  ” الزقورة “كان هناك  بناء يدلك على مدنية العراقي السومري ، وهو دار العدالة ، كان دليلنا السياحي يشرح لنا عن القوانين التي كان الملك  يسنها لتنظيم الحياة واستقامتها .

يقول دليلنا : وهو الخبير في شؤون الاثار ، ان الملك اورنمو كان صارما وحازماً .

   وقفنا طويلاً ونحن نشعر بالزهو والفخر أمام   هذا المعبد الشامخ ،  نتامل عظمة   حضارة ” اور ” ونتسائل : هل حقنا نحن منْ ورثنا  هذه الحضارة ؟ بعد ذلك كان وجهتنا إلى مقابر الملوك السومريين والدار التي ولد فيها النبي إبراهيم .

انتهت جولتنا في الاثار ، وتوجهنا إلى مفاجئة مبهرة ، وتحفة معمارية وانجاز كبير ومتعة متناهية ، وهي مدينة اور السياحية ، هذه المدينة التي ستغير مفهوم السياحة في العراق، كان وراء هذا الإنجاز الكبير  كما قال لنا كل من التقيناهم الامين العام لمجلس الوزراء  الاستاذ “حميد الغزي ” .

  استقبلنا العاملين في المدينة وكان على رأسهم  مدير المدينة الاستاذ “علي الكركوشي” وهو شاب مثقف  على درجة عالية من الذوق والتهذيب والكياسة، استقبلنا بابتسامة عريضة ،  وأجلسنا في مكتبه وهو يشرح لنا مراحل بناء المدينة السياحية ، والخطط التطويرية لها، واصطحبنا بجولة في اروقة المدينة ، أطلعنا من خلالها على المرافق الخاصة بالمدينة ، كالمسرح السومري ذو الأقواس الرخامية  ، وهو شبيه بالمسارح الرومانية، ثم اصطحبنا الفنان المسرحي ” محسن خزعل “  في جولة ليطلعنا على المسرح الكبير والأعمال الفنية التي بداخله، ونحن نتجول  في اروقة المدينة  السياحية  كانت اعداد الزوار  من العوائل العراقيين والاجانب في تزايد مستمر ، المساحات الخضراء و أشجار النخيل منحت المكان جمالاً وحيوية .

وهكذا انتهت رحلتي … وهكذا عرفت الناصرية


مشاركة المقال :