كاظم الربيعي لـ”المستقل”: المنتخب بلا استقرار… والملحق العالمي يحتاج معجزة

مصطفى طه الياسري
هو من الأصوات القليلة التي لا تُجامل، ولا تُهادن، ولا تُساوم على الحقيقة.
الدكتور كاظم الربيعي، المستشار الفني والمحاضر الآسيوي، واحد من أبرز العقول الكروية التي واكبت تحولات الكرة العراقية من الميدان إلى المنصة، ومن التحليل إلى التخطيط.
لم يكن يومًا تابعًا لتيار، ولا جزءًا من ضجيج، بل ظلّ وفيًّا لموقفه النقدي، ومخلصًا لفكرته الإصلاحية، مهما تغيّرت الإدارات وتبدّلت الشعارات.
في هذا اللقاء الخاص مع صحيفة “المستقل”، يفتح الربيعي ملف الكرة العراقية بلا رتوش، ويقدّم تشخيصًا جريئًا لأسباب التراجع، ويضع يده على مكامن الخلل، من دوري النجوم إلى أزمة المنتخب، ومن الإعلام الرياضي إلى غياب المشروع الوطني.

يرى الدكتور كاظم الربيعي أن دوري نجوم العراق تحسّن قليلًا مقارنة بالمواسم السابقة، ربما بفضل الدعم المالي الحكومي، لكنه لا يعكس تطورًا حقيقيًا في المستوى الفني، خاصة مع غياب الفارق بين المحترفين الأفارقة واللاعبين المحليين، الذين أصبحوا جليسي دكّة الاحتياط، مما أثّر على عطائهم ودورهم في المنتخب الوطني. ويؤكد أن التوقفات المتكررة للدوري تُعطل الاستقرار وتُمدّد فترة نهايته، وتُصيب اللاعبين بالملل، دون فائدة تُذكر، طالما أن أغلب عناصر المنتخب من المحترفين والمغتربين.

وعن فرص المنتخب في التصفيات، يعبّر الربيعي عن أسفه، معتبرًا أن كل المؤشرات تدل على صعوبة الموقف، في ظل التخبط والعشوائية وغياب الاستقرار الفني، ويقول إن الأمر بات بحاجة إلى دعاء وتوفيق من الله، أكثر من كونه نتيجة تخطيط أو جاهزية.

ويُحمّل الربيعي اتحاد الكرة مسؤولية فشل الاستقرار الفني، بسبب الاختيار الخاطئ للكوادر التدريبية، مثل المدرب كاساس وأرنولد، وغياب الاستراتيجية الواضحة، وانعدام وجود خبراء واستشاريين حقيقيين في الاتحاد، ممن يمتلكون الكفاءة والعلم، ويشاركون في اختيار المدربين ومناقشتهم فنيًا وإداريًا.

ويضيف أن تجربة كاساس كانت نموذجًا للفوضى، حيث تم تجريب أكثر من مئة لاعب، دون استقرار على التشكيلة، مع تدخل أطراف أخرى في الخيارات، بينما المدرب الأجنبي لا يهمه سوى العقد وشروطه، وهو ما أدى إلى نتائج مخيبة وخسارة ملايين الدولارات.

ويرى الربيعي أن الحل يبدأ من اتحاد متجانس وكفوء، يمتلك خبرة إدارية محنكة، ويضع مصلحة الوطن فوق المكاسب، ويؤمن بتطوير الكرة العراقية من الفئات العمرية، عبر كوادر محلية ناجحة، قوية، لا تسمح بالتدخل، وتصبر على مشروعها.

وعن العلاقة بين السياسة والكرة، يقول إن كلاهما مسؤول عن التراجع، فالدعم السياسي غير المراقب، وغياب المحاسبة، والخلافات المستمرة، كلها عوامل ساهمت في ضياع حلم التأهل، حتى بات الوصول إلى كأس العالم أقرب إلى الخيال.

ويُقيّم أداء الاتحاد الحالي بأنه استمرار للتخبط، وتكرار لأخطاء الماضي، ويقترح ثلاث خطوات لإنقاذ الكرة العراقية: تقليص عدد أعضاء المكتب التنفيذي إلى ستة فقط، وتعيين لجان فنية من خبراء محليين وأجانب، والاهتمام الحقيقي بالفئات العمرية، لأنها الأساس في بناء كرة قدم حقيقية.

وعن تجربته الشخصية، يكشف الربيعي أنه عمل سابقًا في اللجنة الفنية، وكان مستشارًا فنيًا مع عدنان درجال، إلى جانب أسماء كبيرة، لكن الحاجة إليهم انتهت سريعًا، لأن اللجان وُلدت ميتة، بلا صلاحيات، وبلا تأثير. ويؤكد أن الوزارة فقدت دورها في التأثير على كرة القدم، بعد سحب صلاحيات إدارة الملاعب منها، وتحويلها إلى الأندية، مما أدى إلى خراب أرضياتها، رغم الدعم المالي الكبير من رئاسة الوزراء. ويشدد على أن التطور الرياضي لا يأتي بالدعم فقط، بل هو مشروع دولة يُدار علميًا وإداريًا.

وفي تقييمه للإعلام الرياضي، يرى الربيعي أن كثرة البرامج لا تعني صحة، بل فوضى، خاصة مع تكرار الضيوف وقلة الخبرة، وطرح مواضيع ركيكة ومقززة، ويطالب باختيار الضيوف الأكفاء، والمواضيع الداعمة، ويُحمّل السوشيال ميديا مسؤولية تكريس الانفعال والسطحية، بل والمساهمة في إضعاف الكرة العراقية عبر التناحر السلبي.

ويُشيد بتجربة المغرب، التي قامت على دعم ملكي واضح، وأكاديمية قوية، وتنسيق كبير مع اللاعبين المغتربين في أوروبا، مما صنع الفارق في كل المنتخبات. أما الكرة الخليجية، فيراها فرصة وتحديًا في آن، ويؤكد أن العراق بحاجة إلى تخطيط علمي، لا إلى محترفين ضعفاء على حساب المحليين، لأن ذلك خطر كبير على مستقبل الكرة العراقية.

وفي ختام اللقاء، يقول الدكتور كاظم الربيعي:
“ما يُحزنني حقًا هو أن الجماهير العراقية تُمنَح دعمًا ماديًا ولوجستيًا بلا إنجاز، وأموال تُهدر دون بناء حقيقي للأندية والفئات العمرية، وكل ذلك ولم نتأهل ضمن مجموعة تُعدّ من الأسهل. أما ما يمنحني الأمل، فهو أن العراق لا يزال يملك طاقات بشرية قادرة على التغيير، إذا ما أُعطيت لها الفرصة، ورفعت عنها يد العبث.”

ختاماً

حين يتحدث كاظم الربيعي، لا تسمع صوتًا عابرًا في زحام التحليلات، بل تقرأ خارطة طريق من رجلٍ خبر الميدان، وجرّب المنصة، وواجه المنظومة.
هو لا يبيع الوهم، ولا يجمّل الواقع، بل يضع الحقيقة كما هي: مؤلمة، لكنها قابلة للإصلاح.
وفي زمنٍ تتكاثر فيه الأصوات وتقلّ فيه الرؤى، يبقى الربيعي واحدًا من القلائل الذين لا يكتفون بالتحليل، بل يطالبون بالتغيير… من أجل كرة عراقية تستحق أن تُحترم.


مشاركة المقال :