مملكة القصب أو ” كعكة الرئيس”

 

علاء الخطيب
تلعب السينما دوراً مهماً في صناعة الرأي العام ، فهي واحدة من أهم وسائل القوة الناعمة، التي تشكل صوراً تختزن في العقل الباطن للإنسان حول قضيةٍ ما .
فيلم “مملكة القصب “الذي شارك مؤخراً في مهرجان ” كان السينمائي ” للمخرج حسن هادي كان كفيلاً أن يوجّه الأنظار إلى العراق .
ففي أول مشاركة للسينما العراقية في تاريخها في هذا المهرجان العالمي ، إطلع العالم على معاناة العراقيين أيام الحصار ، وناقش الفيلم قضية إنسانية مهمة ، ففي فيلم ” كعكة الرئيس ” وهو الاسم الإنجليزي لـ ” مملكة القصب ” سلط المخرج العراقي المبدع حسن هادي الضوء على جدوى محاصرة الشعوب بعقوبات دولية ، لا تضر بالسلطات الحاكمة ، بل تمكنها من القمع والاضطهاد أكثر .
كان المخرج هادي ذكياً حينما ابتدأ فيلمه بـ ” عيد ميلاد صدام حسين ” وعرض لنا حالة البذخ والرفاهية التي كان النظام يتمتع بها، وحال الشعب المتضور جوعاً .
عكس الفيلم معاناة شخصية وحالة عاشها المخرج ذاته ، وربما هي جزء ٌ من سيرة ذاتية ، فقد ذكر في مقابلة تلفزيونية ” انه لم يتذوق الكعكة إلا حينما بلغ سن المراهقة بعد سقوط النظام الدكتاتوري عام 2003 ، لذا كان ملتصقاً بذاته، واقعياً في نظرته الاخراجية، التي جعلت الفيلم يحضى باهتمام كبير ويكون قريب من روح المشاهد.
ربما لم يستطع الإعلام العراقي ، بكل ما يمتلك من فضائيات وكتاب ومثقفين وتمويل كبير ، ان يؤثر في تغيير الصورة كما أثر فيلم “مملكة القصب “.
فمن خلال مقطع من حياة طفلة عراقية ” لمياء” البالغة من العمر تسع سنوات استطاع المخرج حسن هادي ان يوظفها في قالب سينمائي ويعكس لنا قساوة مرحلة زمنية مهمة من حياة العراقيين، كان فيها الخوف والرعب هو المسيطر على الارواح، حتى تغلغل إلى الاطفال .
” لمياء ” الطفلة الجميلة التي تم اختيارها ، او ربما لسوء طالعها ، من قبل معلمة المدرسة لتصنع كعكة بمناسبة عيد ميلاد الرئيس ، و بالإجبار وإلا تعرضت وعائلتها للعقوبة بسبب عدم ولائهم للرئيس.
ترجع الفتاة لمنزلها، وتخبر جدتها بالأمر ، ليذهبا معاً للسوق حاملين معهم ديكهم الأليف ، ليبيعوه ويشتروا بثمنه مواد كعكة الرئيس.
تنغمس الاحداث بواقعية اجتماعية مؤلمة، ويصور لنا الفيلم ، تحطم المنظومة الأخلاقية للمجتمع في زمن الحصار ، وكيف يتحول الإنسان إلى كائن غريب وأناني ، همه ان يعيش فقط دون ان يكترث لمعاناة الآخرين .
ان ما تفعله السينما والفن بشكل عام لا تستطيع السياسة فعله ، وهنا تكمن اهمية الفن في حياة الشعوب ، الفن وسيلة راقية لصناعة وعي إنساني بطريقة محببة.
مشاهد مملكة القصب تمكنت من تبديد الوهم ، الذي صنعه صدام أيام الحصار ، كما عكست زيف امريكا وعقوباتها التي لا تؤذي سوى ” لمياء ” وسواها من الأطفال الأبرياء .
لقد اهتم الكثيرون بما حققه الفيلم من إنجاز على مستوى الجوائز ، وهو اول فيلم عراقي، ينال مثل هذه الجائزة ، لكن ما حققه على مستوى التأثير النفسي ، ونقل ، ما كان يراد ان يكون مخفياً. ، هو الاهم.


مشاركة المقال :