محمد الكلابي
كيف لمن ملك كل أسباب البقاء أن يختار الرحيل؟ كيف لمن امتلك الصوت والتأثير، لمن ارتجفت أمام كلماته منصات القرار، لمن اعتادت العواصم أن تترقب ظهوره، أن يقرر أن ينهي كل ذلك بيديه؟ أيكون الفناء إرادة، أم أن بعض الأرواح تتخذ من الموت ولادة أخرى؟
السيد حسن نصر الله لم يكن رجلًا يعيش تحت سطوة القدر، بل كان صانعًا له. لم يكن ينتظر الموت، بل كان يسير نحوه كما يسير العارف إلى يقينه الأخير، مدركًا أن بعض الدروب لا تفضي إلى النهايات، بل إلى الامتداد في الزمن، إلى التحول من جسد محدود إلى فكرة لا تُحاصر. كان يؤمن أن الشهادة ليست ختامًا، بل اكتمالًا، أن الدم الذي يُسكب طوعيًا في سبيل المبدأ لا يُهدر، بل يتحول إلى نهرٍ يتدفق في شرايين القضية، في ذاكرة الأجيال، في معادلات المستقبل.
على نهج الإمام الحسين سار، ليس اقتداءً أعمى، بل فهمًا عميقًا لما يعنيه أن يكون الإنسان حرًا، وأن يكون القرار في يده، حتى عندما يتعلق الأمر بلحظة الرحيل. لم يكن يسأل إن كان الموت سيأتي، بل كان يسأل: كيف يأتي؟ وأي شكل سيحمل؟ وأي رسالة سيترك وراءه؟ كان يدرك أن الخلود لا يُمنح صدفة، بل هو اختيار واعٍ، تضحية محسوبة، قفزة في المجهول بأقدام راسخة لا ترتجف.
في هذا العالم، حيث يتشبث الناس بالحياة كأنها ملكٌ لا يُسترد، كان هو يرى في الحياة مجرد جسرٍ ضيق، لا قيمة له إن لم يؤدِّ إلى ضفة أخرى أكثر اتساعًا. لم يكن يخشى الموت، بل كان يخشى أن يحيا حياة لا تترك أثرًا، أن يصبح كغيره، مجرد ذكرى عابرة، لا تترك ندوبًا في ذاكرة التاريخ. كان يعرف أن الإنسان، حين يقرر كيف يموت، فإنه في الحقيقة يقرر كيف يُحيا، كيف يصبح أكثر من مجرد جسد محكوم بالزوال، كيف يتحول إلى ذاكرةٍ جمعية، إلى مبدأ لا ينكسر، إلى إلهامٍ لكل من يرفض أن يكون مجرد تابع.
واليوم، إذ نودعه، أيكون هذا وداعًا حقًا؟ هل يموت من كان صوته حياةً لآلاف القلوب؟ هل يُمحى من كان وجوده فكرةً ممتدة، لا تنحني أمام الزمن؟ إن غيابه ليس نقصانًا، بل اكتمالًا؛ ليس فناءً، بل امتدادًا؛ ليس سقوطًا، بل تحليقًا إلى مقامٍ أعلى، حيث لا يقيده جسد، ولا تحده حدود، حيث لا يعود مقاتلًا في ميدان، بل يصبح الميدان نفسه، المعركة ذاتها، الدليل الذي يسير عليه كل من يرفض أن يركع.
إن الذين يموتون خوفًا، هم الذين يُنسَون، أما من ماتوا اختيارًا، من تقدموا إلى الشهادة بأقدام ثابتة، فهم الذين يُعادون إلينا كلما تلفظنا بأسمائهم، كلما نظرنا إلى الرايات التي رفعوها، كلما سألنا أنفسنا: أيبقى الموت موتًا، حين يتحول إلى طريقٍ نحو الأبدية؟
أيها السيد الشهيد، لم تكن مغادرتك خسارة، بل وصية، رسالة أخيرة خطّتها يدك لا بحبرٍ زائل، بل بدمٍ لن يجف. ها قد تحررتَ من قيود الجسد، ها قد صرت جزءًا من الخلود، لا يُحاصرك زمن، لا يحدك مكان. لم تكن رحلتك رحلة رجل، بل رحلة فكرة، وها قد اكتملت الفكرة، وها قد بدأ التاريخ بكتابتها، لا كنهاية، بل كبداية جديدة لا تُمحى.
This blog is definitely rather handy since I’m at the moment creating an internet floral website – although I am only starting out therefore it’s really fairly small, nothing like this site. Can link to a few of the posts here as they are quite. Thanks much. Zoey Olsen
The heart of your writing while appearing reasonable initially, did not really work properly with me after some time. Somewhere within the paragraphs you managed to make me a believer but only for a very short while. I nevertheless have a problem with your leaps in assumptions and you would do nicely to fill in those gaps. If you can accomplish that, I would undoubtedly end up being impressed.
Hello. Great job. I did not expect this. This is a impressive story. Thanks!