نعمه العبادي
تمثل الشام احد المسميات الجغرافية التي شكلت وعاء الحدث لثورة عاشوراء الحسين عليه السلام، إذ تعد معقل السلطة الحاكمة آنذاك، وعاصمة القرار الذي اعلن الحرب على الحسين واهل بيته سلام الله عليهم، وعلقت صورتها في الاذهان (بخصوص عاشوراء) مقترنة بسبي بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ان تم الاجهاز على ذويهن قتلا في كربلاء، وتحفظ الذاكرة جميع المساجلات والخطب والاحداث التي تتعلق بالركب الحسيني المنكوب وخاصة ما يتعلق بعقيلة الطالبيين زينب سلام الله عليها.
بعيدا عن الجدل التاريخي حول حقيقة قبر زينب سلام الله عليها، فقد شكل هذا الضريح إعادة صياغة للذاكرة والعلاقة مع جغرافيا الشام، إذ طغت صورة الحفاوة بالمكان، بوصفه احد البقاع المقصودة من أحبة اهل البيت، وصار محورا لحركة ولاء وتوجهات إنتساب، تباين بصورة تامة، ما كان عليه الموقف الاموي في هذه البقعة.
وعلى الرغم من عدد الرموز والمسميات المتصلة بالتاريخ الاموي، وتحديدا بحكم يزيد بن معاوية، في الشام إلا انها لم ترقى إلى منافسة صورة المقام الزينبي، والذي طغى بوجوده المادي والمعنوي، وبزخم حضوره في وجدان معظم السوريين، وأصبح تعبير ” شام زينب”، اصدق دلالة، واقرب الى النفوس من “شام بني امية”.
مثلت مسؤولية الدفاع عن حرمة وأمن بعض المراقد المقدسة اشكالية تاريخية وعقدية وحتى اخلاقية، ويعد مرقد السيدة زينب احد نماذج هذه الاشكالية، إذ طرح سؤال حماية المرقد بعد الاحداث في سوريا عام 2011 الكثير من علامات الاستفهام، وكان احد العناوين الرئيسة التي أجازت او سوغت لبعض القوى الشيعية المسلحة، ان تكون في جبهة المواجهة ضد التنظيمات الارهابية، وتبعت هذه المشاركة حزمة من التحديات والتداعيات، ولا تزال محل خلاف حاد بين العديد من الاطياف.
تتزايد هواجس القلق من موقف السلطة الجديدة تجاه مرقد السيدة زينب سلام الله عليها وباقي مراقد اهل البيت عليهم السلام، وتتداخل الاسباب الدينية (التوجهات السلفية والتكفيرية) مع الاسباب السياسية، التي تتعلق بموقف السلطة الحالية مع الجهات التي قاتلت بالضد من هذه الفصائل مع النظام، تحت شعار حماية مرقد زينب سلام الله عليها، لتخلق موقفا مشوشا وضبابيا لحدود مسؤولية النظام الجديد تجاه المرقد الشريف، ويعاظم هذا القلق، السلوكيات التي تتكرر بشكل يومي، مستهدفة الاقليات وخاصة العلويين.
تتحدث السلطة الجديدة في سوريا عن منطق الدولة، والرغبة في تجاوز الخلافات المذهبية والطائفية، وتدعو الى اشاعة عقلية المؤسسة، وإنطلاقا من مقولة ” ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم”، فإن هذه السلطة مطالبة في مقاربة مسؤولية مرقد زينب سلام الله عليها من منطق الدولة، وتوظيف كل الرموز الايجابية في موارد قوتها الناعمة، وان اي سلوك خلاف ذلك، يعيد هذه الجهات الى مربع (الفصائل) وهو مربع أدنى بكثير من رتبة (الدولة).
وفي اتجاه ذي صلة، لا بد، لمحبي اهل البيت ان يبذلوا كل ما بوسعهم (وبطرق سلمية) للتأكد من ضمان حماية المرقد الشريف، وإتاحة زيارته لكل محبي زينب سلام الله عليها.