سفير الوجع الفراتي وايقونة الهوسه ( ابو ثابت)

سفير الوجع الفراتي وايقونة الهوسه ( ابو ثابت)

علي محمد جاسم

حين يبدأ الكاتب في الولوج  بثنايا شخصية ابدعت في فن الهوسة ، ويريد طرح سيرة الشاعر حامد المزيعل ابو ثابت، لا بد أن يقدم مقدمة مختصرة عن هذا الفن، الذي يُعد أحد أنواع الشعر الشعبي.

الهوسة: هي انشاد شعبي ظهرَ في منطقة الفرات الأوسط والجنوب، تُصاحبه حركاتٌ دائريةٌ معروفة،تتخللها ابيات شعرية حماسية، يقومُ بارتجالها والقائها أحد الاشخاص المتمرسين في هذا المجال،بهدف إثارة القوة والعزيمة لدى المجتمع، ويسمى المهوال، ويبدأها بقوله (ها خوتي ها)، تُستخدمالهوسة في المجتمع العشائري، لشحذ الهمم في بناء السدود، وبناء المضائف، وفي النزاعات القبلية التيكانت أكثر ماتكون بسبب النزاع على  الأرض والمراشنة بالمياه، وكذلك في تأبين الموتى من الرجال،وبالتالي هي المُعبّر عن المشاعر في الافراح والاتراح،

إضافة إلى ذلك أنّ العرب كانت تعد الشاعر  سفير لقبيلته، كما هو الحال في المهوال أيضاً، يُعد سفيرالعشيرة وهو الذي ينازل أقرانه في الميادين، حينما يكون  ذكر للمناقب والمثالب، وتختلف الهوسة عنبقية أنواع الشعر، لأن المهوال مطلوب منه أن يرد على قرينه في نفس الوقت، وهذا يتطلب أن يكونشاعر الهوسة متمكن من أدواته، ويمتلك القدرة على الرد السريع دون خلل في الوزن ووحدة الموضوعوالقافية،ومن الناحية التأريخية استُخدمت الهوسة أو الردسة أو الاهزوجة كما يسميها بعض الاشخاص،بوصفها سلاح فعال في اغلب النزاعات والحروب القبلية، وضد الاتراك والانكليز ايام احتلالهم للعراق،خصوصاً في ثورة العشرين ، وكان إطلاق العيارات النارية ملازماً للهوسة، واحياناً الزغاريد أو هلاهلالنساء كما يُقال، إضافةً إلى أنّ المهوال كان يحملُ المگوار أو السلاح تعبيراً عن الشجاعة، ويحملُبعضهم البيارغ لتطوفٓ في الميدان.

ويُعرّف أحد الباحثين الهوسة فيقول: (بأنها لون غنائي فلكلوري عراقي)، وباحث اخر يقول🙁 أنها منالشعر الحماسي على بحر الخبب).

وكلمة هوسة من الهوس،: يعني من الاضطراب أو الجنون، لأن المهوال حينما  يندمج بالهوسة مع الناس،تراهم كأنهم سكارى بحيث تطيشُ عقول البعض منهم.

وهناك رأي يرى أن الهوسة من هاس الشيء، اي دقه وكسره ويقال في اللغة: حمل على العسكر فداسهموهاسهم اي كسرهم، والهواس : هو الأسد الطواف بالليل مع جرأة في الطلب، وتعني الشجاع المجرب،وهذه كلها ترجيحات واحتمالات، ولا يوجد تعريف ثابت لها،

كما يرى الاستاذ علي الخاقاني والشاعر الباحث ماجد السفاح، أن الهوسة كانت تسمى (العگيلية) نسبةإلى قبيلة بني عقيل (عگيل)التي كانت تقطن صوب الكرخ في بغداد وقد ذكرها ستيفن لونكريك في كتابهأربعة قرون من تاريخ العراق الحديثوالهوسة بحر قائم بحد ذاته يقابله بحر الخبب في العروض وعلىوزن( فعلن، فعلن، فعلن، فعل) ( بس لا يتعذر موش أنه)، ( حطوني ابحلگه أو كلت أنه) (مشكلة الذمةإعلى الفاله)ثم تطورت شأنها شأن بقية الوان الشعر، فاصبح الشاعر يأتي بثلاثة اشطر من بحر الوافر،تتحد بجناس مشابه اللفظ ومختلف المعنى، ثم يجعل الرباط ايقاعي ومن بحر الخبب، والذي هو زبدةالهوسة، ومن غير رباط لا توجد هوسة.

وبعد أن عرضنا مقدمة عن الهوسة نُعرج الى سفير الوجع الفراتي، وايقونة الهوسة الذي ساهم في اذكاءالهوسة السقشخية، الشاعر والمهوال أبو ثابت حامد سعدون عجيل مزيعل الحسناوي، ولد الشاعرحامد ال مزيعل على ضفاف نهر الجوعانة المتفرع من نهر ام نخلة في قضاء كرمة بني سعيد عام ١٩٤٣م،اكمل دراسته الابتدائية في مدرسة المؤمنين الابتدائية، ثم تخرج من متوسط السوق عام ١٩٥٩م، والتحقبالخدمة العسكرية عام ١٩٦١م، ثم أكمل مرحلة  الخامس اعدادي عام ١٩٦٥م.

لقد ثأثر الشاعر بالشيخ ثامر الحمودة، وخاله الحاج محسن الخزعل الذي شجعه على كتابة الهوسة فيالمناسبات الدينية والاجتماعية، ارتقى ميادين الهوسة لاول مرة عام ١٩٦٠, وكان عمره آنذاك سبع عشرةسنة، لقد صدحت حنجرته الشجية وصوته العذب في ميادين الهوسة، مما احاطه بكثير من المعجبينوعشاق الهوسة الجنوبية، إضافة إلى ذلك أنه لم يسترزق من شعره قط عكس بعض المهاويل، وكانيتلاعب بصوته صعوداً ونزولاً كأنه سمفونية تناغم امواج جدول الجوعانة، ونجد في هوساته ترويح عنالنفوس المهمومة والقلوب الموجوعة ، كان الشاعر صاحب رسالة إنسانية رغم هوساته البكائية، والتيتنسجم مع مشاعر أبناء المجتمع الريفي من هموم ووجع واهات، فهو من المبدعين الذين سجلوا لهمبصمةً واضحةً في مسيرة الشعر الشعبي في قضاء كرمة بني سعيد، إضافةً إلى أنه عنصرٌ فعال فيالمجتمع العشائري وله علاقات واسعة مع الكثيرين من أبناء العشائر والمدن لاسيما عشاق المفردةالموزونة  ، فهو طيبُ القلب، وقور، قويّ الشخصية، وعلى جانب كبير من الأخلاق والذكاء والكرم، وكانعضواً في جمعية البيضة والجوعانة الفلاحية عام ١٩٨٩م، ويبدو أن تأملاته جعلته ينزوي خلف حكمته،ويتوارى على جرف الجوعانة، وقد تميزت مفرداته بالبساطة والصراحة ، وكتب في حق اهل البيت(عليهم السلام) وفي الاجتماعيات والرثاء  والنوادر، وأبدع في الحكم وغيرها، امتازت هوسات الشاعرحامد ال مزيعل بكثرة الاقتباس من القرآن الكريم، والأمثال العربية، والشعر العمودي، والتاريخ، وتحفلهوساته أيضا بترف الحسجة والصورة الجديدة والشفافة، وعذوبة ألحانه الموقعة على قيثارة عبقريته،يقول الشاعر ابو ثابت:

لغز يبقى الرجل من يمتلك عگله

لما يحچي تعرفه إشخفَّه وشثگله..

بالك بالسواد اتعيّر المگله..

(اتچوه بنار العليه إوصار اسود لونه).

كما أنه قال في اهزوجة الريل: اي القطار

ما يگدر الريل ايسابج السچه..

جدامة تظل واعليها يتوچه..

او عنها لو زلف  يوگف محد يگدر ايحرچه..

(يالريل السچه انفعلك ظل ماشي اعليها)..    ومن الجدير بالذكر أن الحاج صالح ال حلو كان معروفابكرمه، وبديوانه العامر برواده من أهل الحكمة والرأي السديد ويمتلك عقل راجح خبرته الايام في قضاءكرمة بني سعيد، وصقلت تجربته الحوادث، إذ قال في حقه الشاعر ابو ثابت بمناسبة تأبينه هذهالاهزوجة:

ابچ يالتبغي تبچي هذا يسوه النوح..

احچ يالتبغي تحچي الحچي بيه اللوح..

شم يالتبغي تشم عطر منه يفوح..

(دلَّه إومگله إوحي ذوله فلاحة صالح)

أعقب الشاعر خمسة أولاد (ثابت،نافع،كهلان، مروان، مصعب)..

…………………….

(Visited 21 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *