بقلم / المهندس الإستشاري
زكي الساعدي
فِي البِدَايَةِ ان الهُدنَةُ تُعْتَبَرُ نَصْرًا لِلُبْنَانَ وَلِحِزْبِ اللهِ عَلَى العَدُوِّ الصَّهْيُونِيِّ. إلا إِنَّ مُعْطَيَاتِ المَرْحَلَةِ تُؤَشِّرُ أَسْبَابًا كَثِيرَةً لِلُهْدْنَةِ الإِسْرَائِيلِيَّةِ مَعَ حِزْبِ اللهِ.
وَمِنْ رُؤْيَةٍ قَدْ تَحْتَمِلُ أَوْجُهًا كَثِيرَةً، إِنَّ مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ الهُدنَةِ الَّتِي سَعَتْ إِلَيْهَا إِسْرَائِيلُ كَانَتْ كَالتَّالِي:
لَقَدِ احْتَاجَتْ إِسْرَائِيلُ وَقْتًا لِتَرْتِيبِ أَوْرَاقِهَا وَجَمْعِ الدَّعْمِ الأُورُوبِّيِّ الَّذِي أَخْفَقَتْ فِي جَمْعِهِ فِي فَتْرَةٍ قَصِيرَةٍ أَثْنَاءَ انْشِغَالِهَا بِالحَرْبِ. لِذَلِكَ احْتَاجَتْ وَقْتًا أَطْوَلَ لِجَمْعِ مَا يَكْفِي لِضَرْبِ إِيرَانَ بِصُورَةٍ مُبَاشِرَةٍ أَوْ بِصُورَةٍ غَيْرِ مُبَاشِرَةٍ عَبْرَ ضَرْبِ أَذْرُعِهَا بِالمِنْطَقَةِ.
مِنْ أَحَدِ أَهَمِّ الأَسْبَابِ أَنَّ إِسْرَائِيلَ أَيْضًا تُحَاوِلُ انْتِظَارَ تَسَلُّمِ تَرَامْبَ إِدَارَةَ الوِلَايَاتِ المُتَّحِدَةِ لِيَكُونَ دَاعِمًا رَئِيسِيًّا لِلْكِيَانِ فِي مَعْرَكَتِهِ، وَهَذَا يَتَطَلَّبُ أَنْ يَنْتَظِرُوا حَتَّى أَنْ يَتِمَّ تَسْلِيمُ تَرَامْبَ البَيْتَ الأَبْيَضَ فِي بَدَايَةِ السَّنَةِ الجَدِيدَةِ. فَهُمْ يُعَوِّلُونَ كَثِيرًا عَلَيْهِ كَوْنَهُ يُفَضِّلُ الاِصْطِدَامَ المُبَاشِرَ، وَلَا يُفَضِّلُ الحَرْبَ بِالوَكَالَةِ مِثْلَ مَا يُفَضِّلُهُ الدِّيمُقْرَاطِيُّونَ فِي سِيَاسَتِهِمْ اتِّجَاهَ المِنْطَقَةِ. لِذَلِكَ مِنَ المُتَوَقَّعِ أَنْ يَكُونَ جُزْءًا مُبَاشِرًا مِنَ المَعْرَكَةِ، وَهَذَا مَا يُعَزِّزُ قُوَّةَ الكِيَانِ فِي حَرْبِهِ الاستِعْمَارِيَّةِ.
إِضَافَةً إِلَى أَنَّ نِتَنِيَاهُو يُعَوِّلُ كَثِيرًا بِأَنْ يَقِفَ تَرَامْبُ مَعَهُ لِتَحْيِيدِ المُذَكِّرَةِ الَّتِي رُفِعَتْ ضِدَّ نِتَنِيَاهُو كَمُجْرِمِ حَرْبٍ.
قَدْ يَكُونُ هُنَاكَ سَبَبًا آخَرَ فِي دَاخِلِ الكِيَانِ الغَاصِبِ، حَيْثُ أَنَّ مُوَاطِنِي الكِيَانِ لَمْ يَنْعَمُوا بِالسَّلَامِ مُنْذُ طُوفَانِ الأَقْصَى بِالعَامِ المَاضِي، مِمَّا يَعْنِي أَنَّ أَغْلَبَ المُوَاطِنِينَ لَدَيْهِمْ لَمْ يَحْتَفِلُوا بِرَأْسِ السَّنَةِ المِيلَادِيَّةِ وَأَعْيَادِ المِيلَادِ مُنْذُ عَامَيْنِ.
وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الانْقِسَامَ الدَّاخِلِيَّ الصَّهْيُونِيَّ كَبِيرٌ جِدًّا وَلَا يُسْتَهَانُ بِهِ، وَرَفْضُ نِتَنِيَاهُو شَعْبِيًّا كَوْنُهُ أَشْبَعَهُمْ تَوَتُّرًا وَجَعَلَهُمْ يَقْضُونَ أَغْلَبَ الأَعْيَادِ فِي المَلَاجِئِ… فَهِيَ فُرْصَةُ اسْتِرَاحَةٍ مِنَ الحَرْبِ لِإِعْطَاءِ فُسْحَةٍ لَهُمْ وَإِسْكَاتِ النَّاقِمِينَ عَلَى سِيَاسَتِهِ فِي إِدَارَةِ الكِيَانِ.
لِذَلِكَ فَإِنَّ الهُدنَةَ خَارِجِيًّا وَدَاخِلِيًّا كَانَتْ خِيَارًا لَابُدَّ مِنْهُ لِشَحْذِ السِّلَاحِ. وَبِمَا أَنَّ حِسَابَاتِهِمْ قَدْ تَكُونُ مَعْكُوسَةً بِأَنْ حِزْبَ اللهِ وَحَمَاسَ قَدْ يُعِدُّونَ العُدَّةَ وَيَسْتَعِدُّونَ أَيْضًا، هُنَا تَمَّ تَفْعِيلُ المَجْمُوعَاتِ الإِرْهَابِيَّةِ فِي سُورِيَا لِتَقْطَعَ سِلْسِلَةَ الإِمْدَادَاتِ الإِيرَانِيَّةِ مِنْ إِيرَانَ عَبْرَ العِرَاقِ وَسُورِيَا إِلَى لُبْنَانَ وَفِلَسْطِين.
إِنَّ مَا يَحْدُثُ فِي سُورِيَا هُوَ صِنَاعَةٌ حَرْبِيَّةٌ مُعَقَّدَةٌ لِمُشْكِلَةٍ دَاخِلِيَّةٍ تَمَّ تَهْيِئَةُ مُعَارَضَةٍ خَارِجَ حُدُودِ سُورِيَا لِتَكُونَ عَلَى أُهْبَةِ الاِسْتِعْدَادِ لِإِشْعَالِ الدَّاخِلِ السُّورِيِّ.
سِيَاسَةُ بَشَّارٍ وَنِظَامُهُ مَعَ الطَّوَائِفِ المُتَعَدِّدَةِ وَالقَوْمِيَّاتِ الَّتِي فِي سُورِيَا جَعَلَتْ فَصَائِلَ كَثِيرَةً تَوَّاقَةً لِأَنْ تَكُونَ دُمْيَةً بِيَدِ إِسْرَائِيلَ لِإِسْقَاطِ هَذَا النِّظَامِ أَوْ زَعْزَعَتِهِ حَتَّى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ نَتَائِجُ نِهَائِيَّةٌ، أَمَلًا مِنْهُمْ بِأَنَّ النِّظَامَ العَالَمِيَّ الجَدِيدَ بِمَنْظُورٍ صِهْيُوأَمْرِيكِيٍّ يَخْلُو مِنْ بَشَّارَ وَيُؤَسِّسُ إِلَى دَوْلَةٍ كُرْدِيَّةٍ فِي الشَّمَالِ تُحَقِّقُ طُمُوحَ الأُمَّةِ الكُرْدِيَّةِ، مِنَ المُزْمَعِ أَنْ تَضُمَّ مَا يُقَارِبُ الأَرْبَعِينَ مِلْيُونَ كُرْدِيٍّ وَبِمِسَاحَةٍ تَتَجَاوَزُ الخَمْسَمِئَةِ أَلْفِ كِيلُومِتْرٍ مُرَبَّعٍ، وَيَكُونُ وَلَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ الكُرْدِيَّةِ لِصَانِعِيهَا فِي المَشْرُوعِ المَذْكُورِ آنِفًا.
السِّيَاسَةُ غَالِبًا مَا تَرْتَبِطُ بِالاِقْتِصَادِ، وَآبَارُ النِّفْطِ غَيْرُ المُسْتَثْمَرَةِ فِي شَمَالِ سُورِيَا بِسَبَبِ العُقُوبَاتِ الاِقْتِصَادِيَّةِ وَالتَّدَهْوُرِ الأَمْنِيِّ فِيهَا تَجْعَلُهَا ضِمْنَ مَطَامِعِ المَشْرُوعِ التُّرْكِيِّ أَوِ المَشْرُوعِ الصِّهْيُوأَمْرِيكِيِّ. فَمَا إِنْ تُؤَسَّسَ فِي سُورِيَا مَشْرُوعُ التَّقْسِيمِ، فَإِنَّ المَشْرُوعَ الاِقْتِصَادِيَّ النِّفْطِيَّ سَيَكُونُ بِيَدِ مَنْ يُدِيرُ تِلْكَ البُقْعَةِ.
إِنَّ مَشْرُوعَ التَّقْسِيمِ يُدِيرُهُ بِإِتْقَانٍ مَنْ زُرِعَتْ فِيهِ رُوحُ الطَّائِفِيَّةِ وَأَصْبَحَتْ لَدَيْهِ أَعْلَى مِنَ الرُّوحِ الوَطَنِيَّةِ. وَإِنَّ العَالَمَ العَرَبِيَّ الَّذِي يَمْلِكُ المَوَارِدَ الأَوَّلِيَّةَ أَوِ المَوْقِعَ الجُغْرَافِيَّ سَيَكُونُ عَلَى طَاوِلَةِ التَّقْسِيمِ، وَسَيَعْتَقِدُ الكَثِيرُ أَنَّ التَّقْسِيمَ هُوَ الحَلُّ الأَسْلَمُ وَسَيُطَالِبُ بِهِ بِقُوَّةٍ مَنْ يَكُونُ أَدَاةً بِيَدِ العَالَمِيَّةِ الجَدِيدَةِ.
الدُّوَلُ العَرَبِيَّةُ المَالِكَةُ لِلْمَوَارِدِ الأَوَّلِيَّةِ عَلَيْهَا أَنْ تَتَصَدَّى بِصُورَةٍ وَاضِحَةٍ لِمَشَارِيعِ التَّقْسِيمِ، وَأَنْ تَكُونَ الرُّؤَى مُشْتَرَكَةً، لِأَنَّ التَّقْسِيمَ هُوَ تَضْعِيفٌ وَتَقْزِيمٌ لِلدُّوَلِ