هذه النصوص التي أضعها في مشغل القراءة
الإنطباعية، تبرهن من خال المعطيات الملموسة
خطل أصحاب نظرية موت المؤلف الساعية الى سلخ
المبدع – أيّاً كان تخصصه – عن روافد مكونات
تجربته الإبداعية وقطع جذوره بأسباب ديمومة تفاعله
مع مفردات واقعه وبيئته، فنصوص )) هُنا ظلّها ..
سأغرز رايتي (( محاولة في الحفر في جوانيات الواقع
وترسباته، واطلالة ذات بُعد إنساني على فواعل الحياة
وإشتباكاتها ولأن كان الشاعر )شاكر السامر( في هذه
النصوص صارخاً بوجه القمع، فلأنه عانى من ويات
الزمن الجاحد ما يؤكد قدراته الإستثنائية على تحمّل
المشاق وإرتكاسات المجتمع ومكائد «أخوة يوسف »
الذين أربكوا حياته بما اقترفوه بحق الأخوّة من جور
وطغيان، والشاعر في نصوصه هذه يحاول الفكاك
من رواسب الفاجعة التي ألمت بكيانه ودمرت وجوده،
فإبتكر لنفسه مساراً مختلفاً يحلّق في سماواته بعيداً
عن الكارثة ونتائجها فإختار الرحيل عن موطن الاهل
والذكريات وعاش لوحده منفرداً با أخوة يوسف،
ففي واحد من )حماماته( يناجي )كفاح( التي رافقته
وصبرت معه على ظلم ذوي القربى بقوله :
قفي / لاتسرعي الخطى / يا)كفاح( / قفي / لاتثيري
في القلب / كلّ الجراح / فانتِ الفراشات / والورد انتِ /
وريق الصباح… ص 27 .
إنها مناجاة الملتاع وحميمية القلب الذي أثقلته
جراحات الأمس، وأجبرته على مغادرة ربوع الدفء
ومساءات الوطن الذي عاش في ضميره ودافع عن
متبنيات أفكاره وطموحاته المشروعة في العيش
الرغيد في وطن معافى خالٍ من الكراهية والدماء
والقبح، لكن في )حمامة النعاس( يواصل نشيجه
الدامي فيقول :
وصغاري
نامت حولي
قلم الحبر الفاحم
والشمعة
ناحلة القامة
والاوراق
الذابلة الجفنين… ص 32
وفي مناجاة رائعة يتألق شاكر السامر في )هديّة(
في حوار جميل اذ يرسم أبعاد حياته بلون المحبة
والجمال:
في كل صباح قبل الافطار / تفرك أُختي الصغرى /
)أزهار( / عينيها القزحية / بأصابعها اللوزية / وتقول
إليَّ / هات لنا العصرَ / هديّة /…../ العصر أتيتُ /
يحاصرني تعبُ الناس / يثقلُ رأسي / كل ضجيج
)الباصات( المملوءة / بالناس / وفجأةً / طفل يصرخ
من)…..!؟(/ ماما في ذلك الباص / فيُغادرني رأسي /
نحو الناس… ص 50
ومن نصوص
الوجد والشكوى والعتاب يطلق )شاكر
السامر ( مناشداته لمَن زرعت في وجدانه الأمل
وأشبعته بكرم الحياة الهنية التي فارقته بعد مافعله
أخوة يوسف، فتراه منكسراً بشموخ وصلابة وإيمان
بقدره المحبب ولنقرأ معاً توساته في )هل تأتين؟(
ص 77 :
لكِ قلبٌ
أنقى من قلبي
يا امرأة باسمة العينين
يا أحلى
من فاكهة التين
يا أبهى
من شعر الشعراء
وسجايا العشاق
العذريين
اني أدعوك لقلبي
هل تأتين؟
إنه يتألق في مناجاته مُفصحاً عن حبه وإستغراقه
في قصة راعفة تفوح أشواقاً، كاشفة عن أسرار
الوجد وإنهيارات العلاقة الإنسانية المشوبة بالشكوك
والتحديات والأعذار المضمّخة بعبير الأسى وروعة
الجمال وإنبثاقة مثابات الأمل الذي يعرّش في القلوب:
في كلّ صباح / قبل الافطار / أذكر إسمك / سراً بين
الأسرار / وأُحاور صمتي / غاضبة / تكشفني الزوجة /
مُتّهَماً / ترعد قائلةً : / إنّ وراءك إمرأة / تمأ قلبكَ
بالاشعار… ص 78
إنَّ )شاكر السامر( في )هل تأتين؟( يتماهى مع
أجواء نزار قباني وغزلياته، وليس في ذلك عيباً
فالشاعر هنا يمتلك ذائقة وإحساساً إنسانياً بحاجته
الى الآخر الذي يديم عليه زهور الحياة ويظللها
بالسعادة التي غادرته منذ سنوات الفجيعة، ولا
أظن أنَّ )شاكر السامر( بما يمتلكه من تجربة ثرة
وغنىً محتشد بالوعي سوى ذلك الجوّاب في حدائق
الزهور التي تفوح بشذاها وتبتكر لمحبيها طقوس
المحبة والخوض في تفاصيل المضي صوب تحقيق
الطموحات التي قتلتها أيام الجفاء، ومن بستان ))هُنا
ظلّها … سأغرز رايتي(( أقتطف هذا النص الجميل
الذي يلخص الموقف الوطني للشاعر ويديم زحم
رفضه لوجود المحتل الغاشم رغم كل الوعود الكاذبة
التي سوقها لتدمير هذا العراق الصابر، يقول الشاعر
في ))رفض بصراوي((:
في حديقتي نخلة شامخة / تطوّقها الفسائلُ / وقربها
الكثيرُ / من الآس والزهور / وتعشعش في قلبها /
العصافير / والعنادل / والطيور / فكّرتُ / أن أزرع في
الحديقة / أنواع البذور / من الخوخ / والمشمش /
والزيتون / والتين الاسود / والنومي الحامض/ ثم
انتظرت طوياً / شهوراً / وسنين / فلم أفلح برؤية /
مابذرتهُ / ربما…حديقتي / لا تحب الغرباء..ص 115
وفي خلاصة هذا الإنطباع أتمنى للمشغل النقدي الجاد
قراءة منجز الشاعر) شاكر السامر ( وقول ما يستحق
من تقويم نقدي رصين يضعنا معاً في أتون تجربة
ثريّة بنصوصها المعبّرة عن إرتباط منتجها بعيداً عن
تفوهات العاطلين عن الإبداع والذين لايرون سوى
مايعجب ذواتهم المريضة….
هنا ظلّها … سأغرز رايتي ..
(Visited 18 times, 1 visits today)