د. رقيق عبدالله
كاتب ومفكر جزائري
لقد ظل الإنتاج الفاعل للعقل العربي رهان تلك المشاريع التي اختصرت التراث في منهجها الذي عمل على الغاء منطق السببية وجعل النص صفة ذاتية من صفاته لا فعلا من أفعاله. و منه تضاءلت قيمة الانسان وتوقف الإجتهاد في الاسلام و حل محله استدلال الشاهد على الغائب أو ما يسمى القياس، من هنا أسس لتراث يسطو على العقل العربي و لقد حافظت الذاكرة المركزية للثقافة العربية على أن تكون متوافقة مع هذا السطو دون إحداث الصراع المولد الدائم للفاعلية، فكان الاقتصاد العربي إقتصاد الريع فالبترول ليس هبة فقط بل كان تسييره وفق ذاك العقل الموروث الذي اعتمد على الفي، الجزية والخراج ولم ينتج حضارة .رغم كل المساهمات العلمية للعقل العربي الا انه لم يدرك الفاعلية المنشودة لان كل مساهمته كانت لخدمة الايديولوجيا السائدة ،فعلم الفلك مثلا كان خدمة لتحديد مواعيد الصلاة و تحديد القبلة والرياضيات للمواريث..لقد اصطدم العقل العربي بأن كل ما أكتشف و ما سيكتشف هو موجود داخل النص .و لذلك فقد الباحث فاعليته الطامحة لعلو عقله و أكتفى بالانهزام دون أن يولد ذاك الصراع بين العلم و النص كما حدث عبر حضارات مجاورة .إن الصراع الوحيد لم يكن صراعا ثقافيا نقديا تحليليا، لقد كان صراعا ايديولوجيا يبرر مظالم الحكام ومن ينتج لهم احكاما وفق ما تشتهي نفوسهم من داخل النص وقداسته وفق أحداث التراث و مخياله. لقد تم تكوين الذاكرة المركزية للثقافة العربية الاسلامية بذاك التراث الفاقد في كثير منه لشرط المعقولية والموضوعية فإذا كان هيجل يقول كل ما هو معقول هو موجود فنحن نقول بحتمية الموجود خارج المعقول .ان اي محاولة للقطيعة مع التراث هي محاولة فاشلة لانه يعيش فينا ونعيش فيه إنه في اللاواعي الجمعي لهذه الذاكرة الثقافية البائسة ومنه ضربت فاعلية العقل العربي فأصبح لكل فعل اجتماعي او سياسي او اقتصادي رغم ان له صياغة الراهن؛ اسئلته ومشكلاته. يعود حتما للتراث لنستمد منه الاجابات متناسين المتغيرات الواقع والموجود .فإذا اردنا الحديث عن التغيير مثلا فلابد أن يكون ابن تيمية حاضرا في مقولاته و الماوردي بأحكامه السلطانية .فكان العقل العربي ذو نظام محدد فاقد لفاعليته وفق مجموعة مساهمين لافشال هذه الفاعلية .ان المشروع السلفي قفز على الزمن التاريخي واعتقل تراثنا في زمن ثقافي محدد والزمنا بكل تجارب و مشاكل واسئلة ذاك الزمن ،و تناسى أن هناك متغيرات حصلت وان المشكلات غير المشكلات و الاسئلة غير الاسئلة .كما ان المشروع التغريبي تخلص من كل التراث دون تفكيك المعقول واللامعقول الموضوعي واللاموضوعي و الزمنا ان نعيش خارج صياغ خصوصيتنا الثقافية العربية الاسلامية .ان ذاك الاعتقال الثقافي التراثي وهذه القطيعة مع ذات ذاكرتنا لم تنجح في تفعيل العقل العربي وفق نظام تحليلي تفكيكي غير محدد او مرتهن…يتبع