د. احمد الميالي
أرسلت الولايات المتحدة قائدها العسكري الأعلى في الشرق الأوسط إلى إسرائيل قبل يوم أمس، بينما يستعد الجانبان لرد طهران على الغارة الإسرائيلية على مبنى قنصلي إيراني في دمشق الأسبوع الماضي. وقالت إسرائيل أمس إنها سترد إذا شنت إيران هجوما مباشرا من أراضيها.
في الحقيقة ان الهجوم الإسرائيلي في دمشق، الذي أسفر عن مقتل سبعة قادة إيرانيين، أثار مخاوف من أن الصراع السري وغير المباشر بين إسرائيل وإيران يمكن أن يتصاعد إلى صراع مباشر وواسع النطاق. إذا ردت طهران على الضربة بشن هجوم علني ومباشر على إسرائيل من أراضيها، فإنها ستتجاوز العتبة التي تراجع عنها الجانبان حتى الآن.
وبطبيعة الحال، سيكون هذا هو السيناريو الأسوأ، حيث أن لدى إيران العديد من الخيارات والأهداف الأخرى للاختيار من بينها. ولكن يعتقد المسؤولون الأمريكيون أن هذا الأمر أصبح أكثر احتمالا الآن مما كان عليه منذ اندلاع الحرب في غزة قبل أكثر من ستة أشهر. إنه أيضاً أحد الأمور التي كان الرئيس الأمريكي جو بايدن يعمل جاهداً لتجنبها، لأنه من المحتمل أن يجذب الولايات المتحدة إلى حد ما للدخول بشكل مباشر في هذا الصراع. وقد شمل هذا الجهد بشكل خاص التواصل عبر القنوات الخلفية والاتصالات غير المباشرة عبر وسطاء دول الخليج بين واشنطن وطهران لتهدئة المواجهات المحتملة، بما في ذلك الحوثيين في اليمن وغيرهم من حلفاء إيران في العراق.
لكنه تضمن ذلك أيضاً تصريحات بايدن المتكررة عن الدعم الأمريكي لإسرائيل – واصفًا ذلك قبل يومين بأنه “صارم” – على الرغم من التوترات المتزايدة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. ويمكن اعتبار ذلك شكلاً من أشكال الردع ضد طهران، ويفسر جزئياً على الأقل سبب عدم استخدام بايدن النطاق الكامل للنفوذ الأمريكي لكبح جماح إسرائيل في عملياتها في غزة، والتي أضرت بمصالح الولايات المتحدة وسمعتها، على المستويين الإقليمي والعالمي.
في ضوء ذلك سيكون من الصعب على الولايات المتحدة كبح تصرفات إسرائيل في الوقت نفسه عن طريق الحد من الدعم وردع إيران، لأن أي إشارة إلى ضعف إسرائيل من شأنه أن يقوي طهران وحلفاءها. مع ذلك أعطى بايدن الأولوية بشكل أساسي لمنع اندلاع حريق إقليمي على حساب تحميل إسرائيل المسؤولية عن سلوكها في الحرب في غزة.
في الوقت نفسه، بالإضافة إلى الإضرار بالمصالح الأمريكية من خلال تجاهل تفضيلات بايدن في غزة، قامت إسرائيل أيضاً بتقويض الجهود الأوسع لاحتواء الجوانب الإقليمية للصراع من خلال تصعيد الصراع مع حزب الله في لبنان، والآن مع إيران. وهذا يجعل من الصعب عدم استنتاج أن طهران كانت حتى الآن اللاعب الإقليمي الأكثر مسؤولية فيما يتعلق بتجنب تصعيد صراعاتها وصراعات حلفاءها مع إسرائيل.
علاوة على ذلك، فإن جهود واشنطن وطهران لتجنب التصعيد أدت في الواقع إلى إطلاق حوار عبر القنوات الخلفية بين البلدين، والذي يمكن القول إنه الآن أكثر تواتراً وكثافة من أي وقت مضى منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018. وليس من المفارقة البسيطة أن الحرب في غزة قد تؤدي في الواقع إلى تعزيز الثقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإيران، وحتى إلى أسلوب عمل مستقر، شريطة أن يتمكنوا من الاستمرار في تجنب التصعيد الإقليمي للصراع.
ما بعد الحداثة ومسألة الدولة
د. رقيق عبدالله أستاذ علم الاجتماع السياسي
كاتب جزائري
لقد فرضت ما بعد الحداثة مفهوما آخرا للدولة يتم من خلاله توسيع نطاق النظرة التقليدية للدولة كمؤسسة مركزية ومتماسكة، ويتم التركيز على التنوع والتعددية والتناقضات التي تحدد العلاقة بين الدولة والمجتمع والفرد،
وطرحت ما بعد الحداثة صفاء الهيمنة الثقافية كمفهوم مركزي محدد لمجموع هياكل الدولة وسياستها. يتم أيضًا استكشاف كيفية تأثير العولمة والتحولات الاقتصادية العالمية على السيادة الدولية وقدرة الدولة على تحقيق أهدافها.
وفي مراوغة حداثية للمفهوم الكلاسيكي للدولة ومحددات السيادة كان تركيزها على القوى اللاحكومية والممارسات السياسية التي تؤثر في صنع القرار وتشكيل الدولة في حد ذاتها مما خلف تحديًا لمسألة الدولة لا كمفهوم وإنما ككيان في ما بعد الحداثة إلى تنامي الحركات النمطية والمجتمعات المدنية والمنظمات غير الحكومية التي تسعى من خلالها لتحقيق المطالب السياسية والاجتماعية والثقافية خارج إطار الدولة.
كما تناول مفكرو ما بعد الحداثة الدولة كآلية للقمع والتهميش والتمييز، حيث يتم التأكيد على الهرمية والتفاوت في القوة والموارد بين الدول والفئات الاجتماعية المختلفة ليتم توجيه الانتقادات أيضًا للبيروقراطية والتركيز الزائد على المؤسسات والإجراءات الحكومية خالصين إلى ما يعزز الاحتكار والتراكم السلطوي وبزوغ فكرة النفوذ.
وبمراوغة مفاهيمية أخرى تم التركيز على الجوانب الثقافية والهوية للدولة في ما بعد الحداثة باعتبار الدولة تتماشى ضمن سياق مشترك في صنع الهوية الوطنية وتشكيل الانتماء الثقافي، خارج التحليل النقدي والتفكيك وعلاقات القوة والتمييز والتعددية الثقافية بين المجتمع والدولة.
إن فهم الدولة في ما بعد الحداثة يتطلب النظر إلى التحولات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تحدث في المجتمعات المعاصرة، ويتطلب التفكير بشكل نقدي في العلاقة بين السلطة والهوية والعدالة الاجتماعية، هذا النهج اعتمد لتوسيع النظرة التقليدية للدولة وسلبياتها وتحويلها إلى مفهوم يأخذ في الاعتبار التنوع والتعددية والتحولات المستمرة في العالم المعاصر.
ففي فهم ما بعد الحداثة لمفهوم الدولة في أن الدولة تتجاوز التصورات التقليدية واعتبارها كيانا جتماعيًا وسياسيًا معقدًا يتأثر بالتحولات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية التي تميز المجتمعات الحديثة،
فإذا كانت الدولة في النهج التقليدي تُفهم عادةً على أنها مؤسسة ذات سيادة تتمتع بالقدرة على فرض القوانين وإدارة الشؤون العامة في إطار حدودها الجغرافية المعروفة. ففي ما بعد الحداثة، يتم تحدي هذا التصوير التقليدي للدولة وتمثلها في أنها نظام قائم على السلطة يتم تشكيله وتأطيره بواسطة العديد من القوى والممارسات المتشعبة كما انها ليست كيانًا ثابتًا ومستقرًا، بل هي تتأثر وتتفاعل مع القوى الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المتعددة التي تؤثر في تشكيلها.
وركزت ما بعد الحداثة على مفهوم مبهم للدولة يتشكل ويشتغل ضمن قضايا الهوية والتنوع والعدالة الاجتماعية والغاية تسليط الضوء على كيفية تأثير الدولة على الفرد والمجتمع، وعلى العلاقة بين السلطة والمواطن وتحليل الهياكل السلطوية والقوى المتداخلة في الدولة، وكذلك تقييم العلاقات بين الدول والمؤسسات الدولية والتحولات العالمية.
إن مراوغة ما بعد الحداثة لفهم مسألة الدولة على أنها كيان معقد وديناميكي يتأثر بالعديد من القوى والعوامل الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية مشددة على تشكيلات الهوية والسلطة والعدالة الاجتماعية، وكيفية تشكيل الدولة وتأثيرها على المجتمعات المعاصرة أفقدها المفهوم الأهم للدولة وهو السيادة وفرضت ما بعد الحداثة وجوبية الانتقال من السيادة إلى الحوكمة والتركيز على مفهوم الحوكمة بدلاً من السيادة التقليدية. باعتبار الحوكمة نهجا أكثر شمولية يشمل العديد من الفاعلين والمؤسسات، بما في ذلك الحكومات والمنظمات غير الحكومية والشركات والمجتمع المدني. يهدف الانتقال إلى مفهوم الحوكمة إلى تعزيز المشاركة المجتمعية وتحقيق العدالة وتعزيز الشفافية والمساءلة.
وخلقت قطيعة بين مفهوم الدولة والقومية وتحدي العلاقة التقليدية والذهاب إلى انفصال الدولة عن القومية ومنه التركيز على التنوع الثقافي والهوية المتعددة في المجتمعات الحديثة، لغاية التأكيد على أهمية احترام حقوق الأقليات وتعزيز التعايش السلمي بين الثقافات المختلفة داخل الدولة.
كما أن مفهوم الدولة في ما بعد الحداثة ارتبط بالاقتصاد وبدلاً من الانخراط في النموذج التقليدي للاقتصاد التنموي الحكومي، يتم التركيز على الاقتصادات اللامركزية والتعاون بين القطاعين العام والخاص والمبادرات الاقتصادية المجتمعية، قصد تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز المساواة الاقتصادية.
كما أن ما بعد الحداثة لم تلغيب القوة كدور محوري في صنع الدولة وسيادتها منتجة قوى أخرى وتبنت أن القوة ليست حكرًا على الدولة بل تتحلى بها أيضًا المجموعات والأفراد والحركات الاجتماعية والسياسية والثقافية ضمن مراوغة كبرى للتفكيك لا البناء.
لقد تجاهلت ما بعد الحداثة المفاهيم المركزية لبناء الدولة ونشأتها وهي التضحية والوفاء لا كمفاهيم أخلاقية وانما كوجود ثابت في بناء ونقاشات مسألة الدولة وثبات قيمها.. ..يتبع
الصدريون.. وعودة تلوح في الأفق..
حسين العظماوي/ العراق
يشكل التيار الصدري الجماعة السياسية الأكثر تنظيماً وتأثيرياً وثقلاً جماهيراً في العراق، يعود هذا الأمر إلى بدايات نشوء هذه الجماعة فهي أرث المرجع الديني محمد محمد صادق الصدر، تشكلت آنذاك من عراقيي الداخل ومن الطبقات الوسطى والفقيرة من المجتمع.
محطات من نشاط التيار الصدري سياسياً
بدأت نشاط التيار الصدري مبكراً بعد عام 2003 لكن لم يكن في بداية الأمر نشاطاً سياسياً، بل كان عبر تأسيس ما يعرف بـ (جيش المهدي) وهو تنظيم مسلح قاوم الأمريكان في مناطق وسط وجنوب البلاد، وأستمر الأمر حتى بدأ يتبلور من هذه الجماعة تياراً سياسياً، لم يكن دخول الصدريين إلى العملية السياسية مختلفاً في البداية، فهو لم يخرج من خطاب الشيعية السياسية المشحون بالطائفية آنذاك، ودخل أول انتخابات كطرف من اطراف ( التحالف الوطني العراقي) الذي كان يضم أغلب القوى السياسية الشيعية.
رغم مشاركة التيار الصدري بشكل فعال في تشكيل أغلب الحكومات العراقية بعد عام 2006 لكن بقي للتيار نشاطاً اجتماعياً وسياسياً مختلفاً عن الآخرين، تمثل بطريقتين مباشرة ( عبر ممثليه في السلطة) وغير مباشرة (عبر مشاركة في الاحتجاجات الشعبية)، مع هذا لم يستمر طويلاً داخل الجماعة الشيعية السياسية، أنشق منها في انتخابات 2014 وشارك حينها بأسم ( كتلة الأحرار)، لكن عادة وتشارك معها في تشكيل الحكومة !
ليعود مرةً آخرى ويشارك في انتخابات عام 2018 بتحالف (سائرون) وهو كان في حينها تحالفاً جديداً ضم الصدريون وبعض من القوى السياسية المدنية، والشخصيات المستقلة، كان حينها بداية خروج التيار الصدري عن الشيعية الطائفية، إلى الوطنية الشيعية.
حقق تحالف (سائرون) نتائجاً جيدة في الانتخابات، لكن عاد السيد الصدر وتحالف مع القوى السياسية الشيعية التقليدية في تشكيل الحكومة !
لم تستمر الحكومة حينها، فتيجةً للفشل والفساد، وتراكم عدد من المشكلات، وانتشار البطالة، وعجز النظام السياسي عن تحقيق حياة كريمة للعراقيين، كل هذه الأمور قادت إلى احتجاجات تشرين 2019، التي تختلف عن سابقتها من الاحتجاجات من حيث الأنطلاقة والتنظيم ونوعية المطالب والأستمرارية، شارك التيار الصدري طرف رئيس في الاحتجاجات وساهم في دعم المتحجين، والوقوف معهم، لكن هذا لم يمنع عدد من المحتجين من أنتقاد للتيار الصدري والهتاف ضدهم، وتحميلهم جزء من فشل النظام السياسي في تحقيق أبسط ما يطمح إليه العراقيين، هذا ما قاد إلى حدوث مشكلات بين الشباب المحتج والتيار الصدري، كان ابرزها ما حدث في محافظة النجف في شباط عام 2020 و ما حدث في مدينة الناصرية في تشرين الثاني 2020، كان لهذا الأحداث ثأتيراً كبيراً على علاقة التيار الصدري بمخرجات أحتجاجات تشرين السياسية، وبأغلب الفاعلين في الاحتجاجات الشعبية، كما كانت سبباً من اسباب دخول التيار الصدري بأسم ( الكتلة الصدرية) وأستهدافهم للتيار الصدري كجماعة فقط.
الأغلبية الوطنية قبال المحاصصة المكوناتية..
طرح التيار بعد حصوله على أعلى عدد مقاعد قضية تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية، وذهب وتحالف مع السيد الحلبوسي (حزب تقدم، وبعض الاطراف السياسية السنية)، و السيد مسعود برزاني ( الحزب الديموقراطي الكردستاني)، اختلفنا أو اتفقنا مع السيد الصدر واتباعه، الإ هذا الطرح قوبل بتأييد عدد من النخب والأكاديميين وصناع الرأي في العراق، ولو حصل ذلك لقلنا أن النظام السياسي العراقي تقدم خطوة إلى الأمام نحو الديمقراطية بشكلها الطبيعي (حكم الأغلبية)، وليس شكلها التوافقي ما يعرف عراقياً بـ (المحاصصة)، لكن لم يمرر مشروع الصدر وحلفائه في (التحالف الثلاثي)، ولم يغيير الصدر قراره هذه المره، وبقي مصراً على تمرير المشروع، هذا ما دفعه إلى الانسحاب من البرلمان بقراراً فاجئ الجميع حينها.
التيار الصدري خارج السلطة مجدداً
شكل غياب التيار الصدري فراغاً سياسياً، فكان التيار يلعب دوراً مهماً في توازن القوى في النظام السياسي العراقي، فالآن في ظل غياب الصدريين يستحوذ تحالف (الإطار التنسيقي) المكون من اغلب القوى السياسية الشيعية التقليدية وعدد من النواب المستقلين، على كافة مؤسسات الدولة، ويستغل عدد من هذه الاحزاب السياسية وجوده في السلطة انتخابياً بطريقة بشعه، وهذا ما حدث مؤخراً في انتخابات مجالس المحافظات في العراق 2023.
الصدر والقرار السياسي
عند مراجعة النشاط السياسي للتيار الصدري منذ دخولهم المباشر إلى العملية السياسية، نجد أن السيد الصدر اتخذ قراراتاً آنيه في أوقات عدة، كان لها تأثيرات سلبية على التيار الصدري كجماعة سياسية، وهذا ما يجعل من الصعوبة التنبؤ في خطواته القادمة دائماً، إضافةً إلى أن السيد الصدر منذ فترة طويلة تصل إلى عقد من الزمن يحاول الخروج من الخطاب الشيعي الطائفي، إلى الخطاب الشيعي الوطني، ويطرح نفسه كراعي للهويَّة الوطنية الشيعية، وهذا ما يميزه عن غيره.
التيار الصدري وعودة تلوح في الأفق
بعد انسحاب التيار وعزلته عن القيام بأي نشاط سياسي، عاد مؤخراً السيد الصدر يمارس نشاطاً اجتماعياً له بعداً سياسياً، تمثل في إعادة التواصل مع قواعده الشعبية، وخروجه يتجول في مدينة النجف لمرتين، وزيارة للمرجع الديني الشيعي الأعلى السيد علي الحسيني السيسيتاني، كل هذا الأمور تؤدي إلى نتيجة مفادها، أن السيد الصدر ينوي في أتخاذ خطوة معينة قادمة..
ما عزز هذا التصور هو أعادة اجتماعة بشكل دوري مع نواب الكتلة الصدرية المنسحبين بناءاً على رأيه من مجلس النواب العراقي
الوطنية الشيعية بديلاً عن الشيعية الطائفية
وجه السيد الصدر أتباعه بأستخدام تسميه (التيار الوطني الشيعي) بدلاً عن (التيار الصدري)، وهذا الأمر له ابعاداً سياسية ودينية وأجتماعية، كما أنها خطوة جيدة إذا كانت فعلاً عودة (التيار الصدري) بهذا الأسم، فهي نتاج محاولات عديدة منذ سنوات من السيد الصدر بطرح نفسه كزعامة وطنية شيعية لا شيعية طائفية، وعلماً أن هذا الأمر لا يتعارض مع فكر الهويَّة الوطنية الجامعة ما دامت هي الأسمى والأعلى، أما الاعتزاز بالهويَّة الفرعية سواء كانت مذهبية أو دينية هذا حقاً طبيعياً لكل جماعة، على شرط عدم محاولة فرضها بالأكراة على باقي المكونات الأجتماعية، وعدم اعلاءها على الهويَّة الوطنية الجامعة.
أخيراً… في حال قرر الصدر العودة إلى العملية السياسية فالانتخابات القادمة ستشكل محطة مهمة للتيار الصدري، وتحدياً كبيرة خصوصاً في ظل صعود تيار المحافظين، و محاولات قوى الإطار التنسيقي المستمرة في استغلال موارد الدولة انتخابياً، ورغبة رئيس مجلس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بتشكيل تحالفاً انتخابية يضم عدد من القوى المدنية والنواب المستقلين وبعض من الاحزاب التقليدية.
الأزمة الاقتصادية في العراق البحث عن حلول جذرية
مرتضى صالح
تعتبر الأزمة الاقتصادية في العراق واحدة من أصعب التحديات التي تواجه البلاد في الوقت الحالي. فمنذ سنوات، يعاني العراق من أزمة اقتصادية خانقة، تفاقمت مع مرور الوقت بسبب عدة عوامل مترابطة تؤثر سلباً على الحياة اليومية للمواطنين واستقرار البلاد بشكل عام. تتمثل هذه العوامل في انخفاض أسعار النفط، والصراعات السياسية المستمرة، والحرب الدائرة ضد تنظيم د١عش، إلى جانب الفساد المستشري في كافة المستويات. يهدف هذا المقال إلى استكشاف جذور الأزمة الاقتصادية في العراق وتقديم حلول شاملة وجذرية لمواجهتها وتجاوزها.
الأسباب الرئيسية للأزمة:
1. الاعتماد الكلي على عائدات النفط:
يعتبر الاعتماد الكلي على عائدات النفط أحد أهم الأسباب وراء الأزمة الاقتصادية في العراق. فالبلاد تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط كمصدر رئيسي للدخل الوطني، مما يجعلها عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية. وقد أدى انخفاض أسعار النفط في السنوات الأخيرة إلى تراجع كبير في إيرادات الدولة، مما أثر سلباً على الاقتصاد العراقي بشكل عام.
2. الصراعات السياسية:
تعتبر الصراعات السياسية بين مختلف الكتل السياسية في العراق من أهم العوامل التي تسهم في تفاقم الأزمة الاقتصادية. فهذه الصراعات تعيق عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية الصحيحة، وتجعل من الصعب تنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحسين الأوضاع الاقتصادية.
3. الحرب ضد تنظيم د١عش:
لا يمكن تجاهل الدمار الهائل الذي خلفته الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية على البنية التحتية للاقتصاد العراقي. فقد تسببت هذه الحرب في تدمير العديد من المنشآت الاقتصادية وتشريد الملايين من الأشخاص، مما فاقم من الأزمة الاقتصادية وجعل التعافي أكثر صعوبة.
4. الفساد المستشري:
يعد الفساد من أهم العوامل التي تعيق التنمية الاقتصادية في العراق. فالفساد يؤدي إلى هدر الموارد المالية للدولة ويقلل من فرص الاستثمار ويقلل من الثقة بالمؤسسات الحكومية، مما يعيق النمو الاقتصادي ويزيد من حدة الأزمة الاقتصادية.
الحلول المقترحة:
1. تنويع مصادر الدخل:
يجب على الحكومة العراقية العمل على تنويع مصادر الدخل للحد من الاعتماد الكلي على عائدات النفط. يمكن تحقيق ذلك من خلال تشجيع الاستثمار في القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة والسياحة.
2. إصلاح النظام المالي:
يجب على الحكومة العراقية إصلاح النظام المالي من خلال مكافحة الفساد وتحسين كفاءة الإنفاق العام وتعزيز الشفافية والمساءلة.
3. تحسين بيئة الاستثمار:
يجب على الحكومة العراقية العمل على تحسين بيئة الاستثمار لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية من خلال تخفيف القيود البيرو قراطية، وتوفير البنية التحتية اللازمة، وضمان حماية حقوق المستثمرين.
4. دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة:
تعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة من أهم رواد الأعمال في العراق، لذا يجب على الحكومة العراقية دعم هذه الشركات من خلال توفير التمويل، وتقديم التدريب، وتسهيل الوصول إلى الأسواق، وتقديم الحوافز للمشاريع الصغيرة.
5. مكافحة البطالة:
يجب على الحكومة العراقية العمل على مكافحة البطالة من خلال توفير فرص عمل للشباب ودعم برامج التدريب المهني وتشجيع ريادة الأعمال، وتطوير سوق العمل بشكل عام.
6. تطوير الموارد البشرية:
يجب على الحكومة العراقية الاستثمار في تطوير الموارد البشرية من خلال تحسين جودة التعليم وتعزيز البحث العلمي وتطوير مهارات القوى العاملة، لضمان توافر الكوادر البشرية المؤهلة لدعم النمو الاقتصادي وتطوير القطاعات المختلفة في البلاد.
إن مواجهة الأزمة الاقتصادية في العراق تتطلب جهوداً مشتركة ومتكاملة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. يجب على الجميع العمل بجد واجتهاد لتنفيذ الإصلاحات اللازمة وتطبيق السياسات الاقتصادية الصحيحة التي تعزز التنمية المستدامة وتحقق الازدهار للبلاد وشعبها. بالتعاون والتضافر، يمكن للعراق تجاوز هذه الأزمة وبناء مستقبل أفضل للجميع.