سد الفجوة بين الملكية الفكرية والتنمية المستدامة
بقلم ماريان روثمان
ناشطة أمريكية سويدية في مجال
التواصل الثقافي
في قلب الشرق الأوسط، حيث يهمس نهر دجلة بالحكايات القديمة، برزت بغداد كعلامة على التألق الفكري في تشرين الأول/أكتوبر 2023
وحول المؤتمر الدولي للملكية الفكرية، الذي استضافته وزارة الثقافة العراقية تحت شعار “الاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية والتنمية المستدامة “، وذلك برعاية رئيس الوزراء الأستاذ المهندس محمد شياع السوداني. والذي استقطب مشاركين من اثنين وعشرين دولة.
تجمع العقول: الرؤى العراقية في القيادة:
قام هذا التجمع العالمي الفريد بإشراف وزير الثقافة العراقي – البروفيسور أحمد فكاك البدراني – بالتنسيق مع رئيس المؤتمر الموقر – البروفيسور علاء أبو الحسن العلاق، الذي يشغل منصب مدير عام قسم العلاقات الثقافية..
ويعود الفضل في نجاح هذا الحدث إلى المنظمين المتفانين، بما في ذلك رئيس وأعضاء لجنة المؤتمر: فائق العبودي، ولبنى ياسين، وهند إسماعيل خليل. وكانت جهودهم مفيدة في جمع الباحثين من مختلف أنحاء العالم – من ناطحات السحاب الشاهقة في أمريكا إلى المناظر الطبيعية الهادئة في كندا، والشوارع الصاخبة في سنغافورة، والعجائب التاريخية في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، والأماكن الآسرة في زوايا أوروبا، والمناظر الطبيعية النابضة بالحياة في أفريقيا..
. لقد كان هذا التجمع بمثابة إناء انصهرت فيه العقول المتميزة التي تمثل مختلف التخصصات الفنية والعلمية، وتطورت إلى مزيج متناغم من وجهات النظر المتنوعة.
كان الافتتاح الكبير على مسرح الرشيد بمثابة مقدمة آسرة، مهدت الطريق لرؤية فكرية. وكان عارف الساعدي المستشار الثقافي في الحكومة العراقية من بين القادة والشخصيات البارزة الذين شرفوا هذه المناسبة.
ومما زاد من الثراء الثقافي لهذا الحدث، أن المخرج والمنتج العراقي الكندي صائب غازي أسر الجمهور بفيلمه الوثائقي الرائع “عشقنا” ومن خلال عدسته نقل غازي الحضور بمهارة في رحلة بصرية وصلت الاتصال الجماعي بالسرد الثقافي لبغداد.
ومن العروض المميزة الأخرى فرقة علاء مجيد الفلكلورية الوطنية التي لعبت دوراً محورياً في خلق أجواء مشحونة بالاحتفال والحيوية الثقافية. وقد ساهم أدائهم بشكل كبير في تعزيز الأجواء العامة، حيث حوّل الحدث ليس فقط إلى تجمع فكري، بل أيضًا إلى احتفال نابض بالحياة بالإبداع والتنوع الثقافي.
وكانت المهمة الشاملة لهذا التجمع واضحة تمامًا، إذ سعى إلى طرح أفكار من شأنها أن تشكل جوهر رعاية الأفكار الإبداعية ودعمها. ومن خلال القيام بذلك كانت تعتزم تجاوز الحدود البيروقراطية، والعمل كحافز للتفكير الابتكاري في مجالات الملكية الفكرية والتنمية المستدامة.
كشف النقاب عن الاستكشاف الفكري: أبرز أحداث المؤتمر:
كان كل يوم بمثابة استكشاف فكري غني في فندق المنصور المتميز، حيث قدم العلماء أبحاثًا حول مواضيع متنوعة.
حيث هدف هذا التجمع إلى أن يكون منصة لتبادل الأفكار والمعرفة والرؤى المبتكرة، وتعزيز بيئة عالمية يزدهر فيها الإبداع.
النجوم التوجيهية: خريطة طريق للمستقبل
وقد أسفر المؤتمر عن سبعة نجوم مرشدين، يمثلون خارطة طريق لرعاية الأفكار الإبداعية ودعمها على مستوى العالم
ويدافع هؤلاء النجوم عن الوصاية المركزية، وإنارة العقول من خلال التعليم، وحماية التراث الثقافي، والتوافق العالمي، وتعزيز الخبرة، والتحصينات الرقمية، والنظر إلى الملكية الفكرية باعتبارها أصولاً قيمة.
نجوم هادية تنير الدرب:
1. المركزية: الدعوة إلى تفويض مسؤولية الملكية الفكرية والتنمية المستدامة إلى مؤسسة واحدة، بهدف تبسيط الجهود وضمان استراتيجية أكثر تماسكاً لحماية الأفكار الإبداعية.
تنوير العقول: التركيز على نشر الوعي حول الملكية الفكرية من خلال التعليم، وخلق منارة معرفية في متناول الجميع..2
3.التراث: التأكيد على أهمية الحفاظ على كنوز التراث الثقافي والتحف التاريخية، والإقرار بأهمية الحفاظ على أشكال التعبير الثقافي المتنوعة والموروثات التاريخية.
4.قوانين الوئام العالمي: الدعوة إلى تحديث وتوحيد قوانين الملكية الفكرية على مستوى العالم لخلق فرص متكافئة للمبدعين في جميع أنحاء العالم، وضمان العدالة والاتساق في الأطر القانونية.
5.الخبرة في القيادة: تسليط الضوء على أهمية تزويد القضاة وخبراء الملكية الفكرية بمهارات معززة في العصر الرقمي سريع التطور، والتي تعتبر ضرورية للحماية الفعالة.
6.الرقمية: تشجيع استخدام التكنولوجيا المتقدمة لحماية الإبداعات الرقمية، والتعرف على التحديات التي يفرضها المشهد الرقمي، والسعي إلى تحصين الملكية الفكرية في المجال الرقمي.
7.في الأفكار: تشجيع العالم على النظر إلى الملكية الفكرية ليس كأفكار فحسب، بل كأصول قيمة تستحق الاستثمار، مما يعزز القيمة الاقتصادية للملكية الفكرية.
الوحدة كمحفز: مقدمة دبلوماسية
وشدد المؤتمر على التعاون بين الأشخاص من مختلف البلدان لضمان حصول الجميع على فرصة عادلة لمشاركة أفكارهم الإبداعية. وقد دافع المشاركون عن الوحدة باعتبارها حافزاً للتغيير الإيجابي، وتصوروا بيئة عالمية يزدهر فيها العمل على التفاهم والاحترام المتبادلين.
وإضافة لذلك اقترح مضيف المؤتمر فكرة جعل هذا التجمع حدثاً سنوياً. ويهدف الاقتراح إلى ضمان بقاء المؤتمر بمثابة منصة ديناميكية ، ومواكبة آخر التطورات في مجال التنمية المستدامة المحلية والدولية.
ويعكس هذا الالتزام بالتجمع السنوي التفاني المستمر لتعزيز التعاون وتبادل الأفكار والمساهمة بشكل جماعي في تقدم الملكية الفكرية والتنمية المستدامة على نطاق عالمي.
استكشاف بغداد: يوميات رحلة مليئة بالبهجة والنكهة والثقافة:
كانت رحلتنا عبر بغداد أكثر من مجرد تجمع للعقول. حيث حفرت في الذاكرة قصة مبهجة من السعادة والاكتشاف.
تخيل هذا كل مساء بينما كنا نستقل الحافلات، تتحول شوارع بغداد النابضة بالحياة بطريقة سحرية إلى احتفال مؤثر على العجلات، ملأت الموسيقى الفضاء، وغنّى الركاب وصفقوا بأيديهم، ولم يتمكن البعض من مقاومة الإيقاع، اقتحموا الباص لقد كانت حركات رقص عفوية!!
أضافت هذه الرحلة الموسيقية غير المتوقعة طبقة إضافية من البهجة إلى استكشافنا، وحولت رحلات الحافلة إلى تجارب مبهجة مليئة بلحظات مشتركة من الموسيقى والمعنويات العالية.
الأمسية الأولى: مقهى البيروتي وساحة التحرير
بدأت مغامرتنا على طول ضفاف نهر دجلة الهادئة في مقهى البيروتي . وبعيدًا عن المقهى العادي، فقد تطور ليصبح راويًا للقصص، ويشارك تراث بغداد الغني من خلال كل رشفة من المشروبات اللذيذة والأجواء المريحة. وكانت البيروتي بمثابة البوابة التي تعرف على تاريخ المدينة.
استمرارًا لنبض قلب بغداد الصاخب، برزت ساحة التحرير كمرحلة حية تتنفس من تاريخ المدينة. إنها أكثر من مجرد مساحة عامة، فهي تنبض بقصص آسرة، وتحول كل خطوة نخطوها إلى نزهة عبر أرشيفات الزمن. وتظهر أن كل زاوية تحكي حكايات عن الصمود والثورات وروح التحرر.
الأمسية الثانية: ألف ليلة وليلة وجولة نهرية
أما الأمسية الثانية فكانت في حديقة 1001 ليلة، وهي أرض سحرية نقلتنا إلى الحكايات الأسطورية لألف ليلة وليلة. داخل هذه الحديقة الآسرة، ظهر مزيج فريد من المطاعم والمتاجر، كل منها يقع داخل أراضي أحد قصور صدام حسين السابقة. يبدو أن كل خطوة اتخذناها تكشف عن فصل جديد من تصميم الحديقة وعناصرها التي تعكس ثراء الحكايات الكلاسيكية
واستمر السحر بجولة نهرية، حيث قدم منظورًا ساحرًا آخر لتاريخ بغداد الغني. أثناء إبحارها على طول النهر، كشفت المدينة عن قصصها، وبدأ التدفق اللطيف وكأنه يحمل همسات الزمن، مرددًا مرة أخرى حكايات الحضارات القديمة.
استمرت مغامرتنا فيه وهو مكان لاتراه مجرد مطعم. لقد أصبحت رحلة حسية، تأسرنا بمزيج رائع النكهات والموسيقى والصداقات كانت الأجواء مليئة بالبهجة بينما انغمسنا في المأكولات الشهية التي تعكس ثراء التراث الثقافي لبغداد.
الأمسية الثالثة: كنوز ثقافية
بدأت مغامرتنا الثالثة في منتصف النهار مع بوفيه غداء لذيذ في فندق المنصور المرموق، مما مهد الطريق لرحلة طهي أثارت ذوقنا، وتركتنا متشوقين للكنوز الثقافية التي تنتظرنا
على الرغم من أن الخطة الأولية لزيارة المتحف الوطني العراقي واجهت انتكاسة لأنه كان مغلقاً يوم السبت، إلا أن القدر كان مفاجأة بالنسبة لنا – جولة خاصة مع مدير المتحف. أدى هذا التحول غير المتوقع إلى تحويل خيبة الأمل المحتملة إلى مغامرة غير عادية. أصبح المتحف، وهو مستودع للعجائب القديمة، معرضًا خاصًا لنا، يكشف النقاب عن فصول الحضارات والروح الدائمة للشعب العراقي
ثم تابعنا الرحلة عبر الزمن عند مبنى القشلة، وهو مبنى قديم يردد بصمت قصص الانتصارات والنضالات، واستمرت الرحلة في شارع المتنبي، المسمى بشارع الكتب. تحول الشارع إلى جنة أدبية، وملاذ لعشاق الكتب؛ أصبحت كل مكتبة بوابة إلى عوالم متنوعة من رواية القصص، حيث تتشابك المعرفة والخيال بسهولة. كان التنقل في هذا الملاذ الأدبي بمثابة كشف أسرار الكلمة المكتوبة
ومع حلول المساء، وجدنا أنفسنا في أجواء جذابة للمطعم السوري بيت حلب في شارع اليرموك. لقد كانت رحلة طهي أكثر من مجرد مكان لتناول الطعام. لم يكن المطعم مخصصًا للطعام فقط؛ فقد كانت أجواءه تحتوي على دفء الضيافة العراقية، ولم يقدم فقط طعمًا مبهجًا للثقافة المحلية ولكن أيضًا كانت وليمة لحواسنا.
وقد أشرقت أجواء المطعم بالموسيقى الجميلة التي ملأت الأجواء برشاقة، مما أضاف أجواء إضافية من البهجة إلى تجربة تناول الطعام بشكل عام. هذا المزيج المتناغم من النكهات الرائعة وكرم الضيافة والمرافقة الموسيقية خلق أمسية لا تنسى تجاوزت المألوف وأصبحت احتفالاً بسحر بغداد الفريد
بلغت ذروتها في النعيم الطهي: الخاتمة الكبرى
ومع إسدال الستار على المؤتمر التنويري، انفتحت الخاتمة الكبرى، تاركة للمشاركين بصمة دائمة لثقافة ونكهات بغداد الغنية. وبعد الانتهاء من العروض البحثية، احتل البروفيسور أحمد الفكاك، وزير الثقافة والسياحة والآثار في جمهورية العراق، مركز الصدارة لمشاركة أفكاره حول المؤتمر
وبكلمات بليغة، أعرب عن امتنانه لجميع المشاركين، وغمر اللحظة بالدفء والتقدير. وكبادرة شكر، تم تقديم الهدايا الرائعة للحاضرين، مما خلق شعوراً بالصداقة الجميلة والتقدير للجهود الجماعي
واستمرت الاحتفالات مرة أخرى مع بوفيه غداء لذيذ في فندق المنصور الساحر. ووسط الأجواء الترحيبية، استمتع المشاركون بمجموعة متنوعة من المأكولات الشهية، مما أضاف لمسة لذيذة إلى احتفالات ما بعد المؤتمر. وقد وفّر الفندق، المعروف بكرم ضيافته، المكان المثالي للمشاركين للاسترخاء
عندما حل المساء، وصلت النهاية الكبرى إلى ذروتها في نادي الصيد العراقي، حيث تم تسليط الضوء على السمك المحلي الشهي، سمك المسكوف. كان عرض المأكولات البحرية هذا بمثابة تتويج لرحلتنا الطهوية عبر بغداد، حيث عرض تراث المدينة الطهوي الغني. أصبحت النكهات الفريدة وطريقة تحضير سمك المسكوف ذكرى لذيذة، محفورة في أذواق جميع الحاضرين. لقد استحوذت الأجواء واللحظات المشتركة علينا إنه سحر بغداد الفريد
ولم تكن النهاية الكبرى مجرد نهاية للمؤتمر؛ لقد كان احتفالاً بالتجارب الغنية التي كشفت عنها بغداد لضيوفها مما خلق انطباعًا دائمًا
الامتنان: شكراً جزيلاً لبغداد
لم تكن رحلتنا مجرد سلسلة من الأحداث؛ لقد كانت مغامرة مبهجة، قصة من الضحك والاكتشاف والنكهات المذهلة التي تجعل بغداد فريدة من نوعها. كانت كل لحظة بمثابة فصل في كتاب قصص، وتركت لنا ذكريات جميلة محفورة في قلوبنا. أصبحت بغداد، بتاريخها الغني وضيافتها الدافئة وعجائب تذوق الطعام، أكثر من مجرد وجهة – لقد أصبحت قصة عزيزة تنتظر مشاركتها
إن التعبير عن الامتنان لبغداد ووزارة الثقافة ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو اعتراف صادق. إن تاريخ بغداد الغني وثقافتها النابضة بالحياة، إلى جانب التخطيط الدقيق للوزارة اللذان تركا بصمة مدى الحياة في قلوبنا.
إن هذا الشكر الحقيقي أيضاُ إلى أهل بغداد على لطفهم، مما يجعل زيارتنا نادرة ولا تنسى
في الحقيقة أصبح تجمع بغداد العالمي ورحلتنا خارج قاعات المؤتمرات كلوحة فسيفساء من الأفكار والوحدة والفرح
قصة حديثة عن الوحدة والإبداع والرؤى المشتركة تتكشف أمام سحر بغداد القديم، ويتردد صداها عبر صفحات الدبلوماسية الدولية
إليكم بغداد – المدينة التي تعرف كيف تمزج الخطاب الفكري مع الرقص البهيج للنكهات والثقافة!