من مفكرتي الفنية
قحطان جاسم جواد/ بغداد
في المشهد الثقافي والفني العراقي هناك العديد من التجارب الناجحة والمهمة في مجال الابداع والتفرد سواءبالنسبة لجيل الريادة او من الاجيال اللاحقة..اتذكر من بين التجارب التي يمكن الاشارة اليها بالبنان تجربةالمعلم المخرج والممثل المحنك غانم حميد سواء في المسرح كمخرج متميز او في التلفزيون كممثل قديرومجتهد..فهذا الغانم كان غانما في الاثنين..فتجاربه الكثيرة معظمها اثارت الجدل والنجاح وتركت اقلامالنقاد تؤشر صفحات ابداعه وتميزه..فالمومياء وقف امامها الكثير بين مؤيد ومدافع عنها وبين حاقد تمتعبلؤم شديد, لكن الاثنان لم يفرا من امام صيغة الابداع المتجسد فكرا وتمثيلا في العرض الذي عرض داخلالعراق وخارجه, في المجالين ثار الجدل بقوة امام تجربة مهمة في المسرح العراقي.كذلك تجربة ظل فيهذيانه يقظا من شعر عدنان الصائغ وسيناريو واخراج المعلم غانم وقد اثارت عاصفة من الجدل الفكري اماماستخدامات النص والسينوغرافيا التي تعامل بها المخرج مع الاحداث ووصل صداها الى رجال الامن كماسابقتها المومياء.ان التمعن بعناية في تجارب المعلم يكتشف بوضوح تفهمه للتلقي وهي ناحية مهمة جدافي الاخراج او التأليف…لان فهم التلقي يعادل اكثر من نصف النجاح للعمل…وهكذا فهم غانم حميد اسرارالتلقي وعرف كيفية الوصول الى المتلقي بعناية فائقة… وهي مهمة ليست يسيرة ولم يفلح بها الكثير منالمخرجين لاسيما في المسرح ابو الفنون.والمسألة الاخرى التي نجح فيها الغانم هي مسألة صنع الجمالونثره للمتلقي وعدم تغليب اي من الطرفين على بعضهما.اضافة الى اختيار الشخوص المناسبة لاداءشخصياته من الممثلين ومعظم اختياراته الناجحة حصلت على جوائز رفيعة في مهرجات عراقية وعربية,وهوتأكيد لما نقول عن الحنكة في الاختيار وتوظيف الممثل في عملية الادهاش والاقناع والابداع. في تجاربه ضدالارهاب كان رأس الرمح في تعميم المصطلح عبر غير دورة ناجحة لمهرجان المسرح ضد الارهاب,واقناعه للكثيرمن المحافظين بدعم فرقها المسرحية لانتاج اعمالا ضد الارهاب وبتمويل منهم في وقت كان التقشف يأكل منجرف الجميع.كذلك في تجربتيه الاخيرتين (ذا هوم) و(ام المراية) حقق نجاحا طيبا وصل الى المشاهد العادياضافة الى النخب. في تجربته الاخيرة ام المراية كان العرض الاخير في بغداد حقق نسبة مشاهدة واسعة فيوقت كان العرض مهددا بقلة حضور الجمهور بسبب تزامن مبارة كرة قدم للمنتخب العراقي اضافة الى وجودعرض اخر بدأ وقت عرضه قبله بقليل, لكن الذي حصل ان الجمهور اكتسح مسرح الرشيد ليشاهد مسرحية امالمراية, وكان الحضور فول الى حد افتراش الجمهور لممرات المرور بين المقاعد ناهيك عن الوقوف! والسبب هوان عروض الغانم باتت مغرية بالحضور وتحضرها النخب من المحافظات كما حصل في العرض الاخير. والقضية الاخرى التي نجح فيها الغانم هي فهمه الواعي في ايصال المسرح الى الناس في بيوتهمومدارسهم وحقولهم كما حصل في تحربته بالشرقاط تلك المدينة الاشورية التي تغفو على نهر دجلة فعرضمسرحياته في مدينة لم تر مسرحا منذ عام 1908ما جعلة اهل المدينة بشيوخها ونسوانها واطفالها ونخبهاتحضر للمسرح وتطالب فريق العرض بعرضها لمرات اخرى. اما في التلفزيون فكان التجربة مهمة جداوصارت درسا للممثلين الاخرين..كوميديا اعطى درسا للكوميديين العراقيين بكيفية التمثيل بهذا المجالوكشف عورات الكثيرين منهم ممن يتشدق بالضحك المقيت او القفشات المصطنعة التي تعتمد على الحوارالسطحي حتى ان بعضهم صار اضحوكة وليس فنان كوميديا,واقصد هنا دوره بشخصية زامل في مناويباشا او دور المضمد في عمل اخر لايحضرني اسمه..كان فيهما غانم حميد كأنه يقدم محاضرة عن الكوميدياوكيفية تقديمها بشكل صحيح..واتوقع ان يكون اكثر نجاحا في المستقبل بهذا المجال لتراكم الخبرة وزيادةالتجارب وتعمق وتطور الافكار. ان هذا الفنان يبحث دائما عن الخيار الصعب في الفهم والتلقي والاخراجوالتمثيل. وهو خيار وعر ويتطلب تضحية وعمل دؤوب وربما يعرضه لصدامات مع السلطة السياسية ومعسلطة ادري المسرح في البلاد لكن فهمه العالي والواعي لدوره في نشر رسالة المسرح السامية جعل المهمةيسيرة .