الزمن الجميل والزمن القبيح  علاء الخطيب

الزمن الجميل والزمن القبيح علاء الخطيب

علاء الخطيب

الزمن حالة نسبية غير ثابته ، فليس هناك زمن جميل وآخر قبيح،  فوصف الزمن  بالجمال والقبح مرتبطبالتجربة الشخصية للإنسان  ، من خلال احاسيس وجدانية  سايكولوجية وتراكم في الذاكرة  .

كما انه مرتبط بمرحلة عمرية معينة

فكل الأجيال لديها زمن جميل, هو مرحلة الشباب والقوة والنشاط، والإقبال على الحياة .

فحينما  تضيق مساحة الحلم والتخيل وتغادرنا  عناصر الجمال  والقوة،  كلون  الشعر ونضارة البشرة،والعضلات المفتولة ، والشراهة على الشهوات ، وفقدان القدرات ، يبدأ الإحباط وكما يقولون :  ( راحن الترفات) أي ذهبت سنين القوة  وبدأت سنين الضعف .

فمعادلة الجمال والقبح في الزمن هي معادلة القوة والضعف، وهنا تنشأ ظاهرة سايكولوجية  اجتماعيةتسمى ( نستولوجيا)  أي الحنين للماضي.

لذا يكاد يحفظ ويردد أغلبنا بيت الشاعر العباسي ابو العتاهية  :

فيا ليت الشباب يعودُ يوماً

فأخبره بما صنع المشيب

من قصيدة جميلة يتباكى فيها على ماضيه وعلى شبابه الذي لن يعود

وهذا البيت هو تعبير صادق عن  معنى الزمن الجميل  والحنين للماضي .

وظاهرة الحنين للماضي شائعة في كل العالم ، ولكنها اكثر حضوراً لدى الشعوب المحبطة والغير مستقرة ،الشعوب النائمة الغير منتجة ، لذا نراها تتعكز على التاريخ وتستلف الشخصيات التاريخية والأبطال  والبطولات وتمجد الماضي حد القداسة .

وتناسوا ان كل جيل يجب ان يصنع تاريخه بنفسه ويراكم على تاريخ الأجداد ، لا ان يتوقف عند تاريخهم .

فالاجداد صنعوا تاريخهم ونحن نصنع تاريخنا ، نحن نفخر بتاريخهم ، وعلى الأجيال القادمة ان تفخربتاريخنا اذا تمكنا من صنعه بإنجازات تساهم في تطور البشرية  .

فالصينيون لم يكتفوا بتمجيد من بنى سورهم العظيم ، بل  سجلوا حضوراً انسانيا ً عظيماً من خلال تفوقهمالصناعي والتجاري  والسياسي بين الأمم  .

وكذلك امريكا وروسيا وماليزيا وسنغافورة وكوريا  وغيرها، لم تبني حاضرها بالقصائد الممجِّدة للأجداد ولميكتفوا باستذكار الزمن الجميل او العظماء في أممهم بل راكموا و قدموا نتاجًا انسانيا وساهموا فيالحضارة   الإنسانية مساهمة فعالة .

ما الذي استفدناه من حمورابي ونبوخذنصر وسرجون الأكدي و أسرحدون و گلگامش  وغيرهم ، هل راكمناعلى تجاربهم ونتاجهم الإنساني أم اكتفينا  بالتفاخر بهم كأشخاص عاشوا على هذه الارض  او مروا من هناوحققوا منجزاً لا صلة لنا به   .

وما استفدنا من الإمام علي والحسين وعمر بن الخطاب وبقية الأعاظم ؟ غير ذكرهم والتمشدق بكلماتهم التيتموت  حينما تخرج من أفواهنا لانها لا تعدو الشفاه.

وسأعود للزمن الجميل

عندما نقول الزمن  الجميل…. جميل  بالنسبة لمن؟

  غالباً يكون لكبار السن الذين اختزنوا في ذاكرتهم احداث ومواقف اعتبروها جميلة  ، وهذه حالات وجدانية .

فعلى سبيل المثال:

  يعتقد الشباب ان الاستماع لمحمد القبنچي  او حسن خيوكه او  لام كلثوم  لساعات طويلة وهي تردد نفسالجملة  هو  حالة من الملل يفتقد للمتعة  وهو لملء  الفراغ ، وعدم الإحساس بالزمن ،  بينما يعتقد الكبار ان  أمكلثوم كانت تقدم فناً اصيلاً وطرب يغذي الروح  ويستحق الاستماع والاستمتاع به  ، فهي رمز من رموز الزمنالجميل لدى الكبار ، ورمز اثري لدى الشباب في احسن الأحوال .

يتردد هذا المصطلح كثيراً ويخدع به كثير  ، حينما يتحول الى ايمائه سياسية تشير الى مقطع زمني معينوأشخاص  معينيين  ويراد منه هدف سياسي.

وهو لعن الحاضر  باستذكار الماضي  وتصويره على انه جميل والزمن الذي نعيشه قبيح  ، خصوصاً لأولئكالذين  لم يشهدوا ذلك الزمن .

فالزمن الجميل هو كل زمن وليس مقطعاً زمنياً معيناً بذاته .

ويبقى  إطلاق هذا المصطلح من الناحية العاطفية  هو تعبير وجداني محض ، يعبر عن  الشوق للشبابوالقوة وهو طبيعي .

لكن من الناحية السياسية هو إشارة موجهة لها غرضها.

(Visited 38 times, 1 visits today)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *