د.احمد الميالي
اتابع منذ عام ٢٠٠٣ الى الان التصريحات المتعلقة بوجود فساد لدى الطبقة السياسية وبشكل مستمر ،تتبناه قوى سياسية ضد اخرى من خلال منصاتها الاعلامية. وتتزايد هذه التصريحات والاتهامات مع قربكل ممارسة انتخابية او محاولة تمرير قانون او مشروع يمثل مصالح جهات سياسية تعترض عليه جهاتاخرى، حتى في اطار ممارسة الدور الرقابي للبرلمان والهيئات الرقابية الاخرى فهي لاتخرج عن نطاقالابتزاز والتسقيط لمصالح جهوية خاصة، ولاتتعلق باداء المهام الدستورية والمحافظة على المال العام، اذ كلماحصل ويحصل في العراق في هذا الجانب لايتعدى كونه انعكاسا للصراع السياسي والانتخابيواستخدام الاعلام والمناصب الرقابية التابعة لهذه الجهة او تلك، لضرب الخصوم والمنافسين،
فالمسألة برمتها ليست دفاعاً عن القانون أو مصالح الدولة، وليست محاربة فساد كما يشاع أو يفهم منها،وخوفاً على مصلحة البلاد والعباد، بل هي قضية تضارب مصالح سياسية وانتخابية واقتصادية، وفسادإعلامي، وابتزاز غير أخلاقي ولا مهني.
فعادة مالايتم استكمال عملية التسقيط او الابتزاز اذا ماتخادمت المصالح او انتفت الحاجة للتصعيد اوتغيرت التحالفات او تأثرت بالتدخلات الخارجية لتنتهي وتعود لاحقا وحسب الامزجة الحزبية والمصالحالخاصة وتضررها.
شاهدنا امثلة حية عديدة على طول العشرين سنة الماضية في هذا المجال وكيف يصبح الفاسد والارهابيالذي اتهمته سابقا جهات سياسية وشهرت به حليفاً وشريكاً انتخابيا لها فيما بعد في مشهد مخزي يبررتحت طائلة المصالحة والمصلحة الوطنية.
ان التركيز على جهة او شخصية سياسية واتهامها بالفساد او العمالة دون الاخرين ايضا مصداق لذلكويعطِ انطباع صريح وفاضح للاغراض المقصودة من التصعيد في جانب وترك الجوانب الاخرى في تفسيرواضح للانتقائية والبراغماتية والتسقيط والابتزاز السياسي والاعلامي.
على سبيل المثال تابعنا التصعيد الممنهج بشكل دوري لرئيس مجلس النواب واتهامه بالفساد والعمالةالخارجية، وتطرح تساؤلات في هذا الجانب هل التضخم المالي موجود لدى هذه الشخصية فقط ؟ان كانتهذه الاتهامات على الفرض صحيحة؟ فهل القادة والزعماء الاخرين من الشمال الى الجنوب فقراء معوزينلايمتلكون اموال ومقار ومصالح ونفوذ وارصدة وجماعات مسلحة ومنصات اعلامية ضخمة ممولة من المالالعام؟ الحقيقة انهم يمتلكون المليارات الان ، وفي السابق كانوا حفاة مشردين؟
لماذا هذا التركيز المستمر على الشخصية دون الاخرين ؟ لماذا تركوا نور زهير ؟ ولماذا لا يتبعون ذات المسار معتهريب النفط من المعابر الشمالية؟ لماذا لا يضربون منابع التهريب للعملة الى دول الجوار ؟ لماذا لايتابعونتواجد مقرات اسرائيلية وعلاقات معها من قبل زعامات وقيادات شريكة لهم في العملية السياسيةوالحكومية؟
لماذا لايتم التركيز على مثنى السامرائي ومتابعة قضايا طبع المناهج والفساد الذي حصل في وزارة التربية؟، ولماذا لم تتابع الدعاوى القضائية لاحمد الجبوري “ابو مازن” وهي معروفة ماهي اساساتها؟ لماذا اصبحمشعان الجبوري وعلي حاتم السلمان ورافع العيساوي اصدقاء وسابقا كانوا بعثيين وارهابيين ومتآمرينوفاسدين ومزورين؟ لماذا ولماذا ولماذا؟ كثيرة الوقائع والحقائق القريبة مما يتم تصعيده الان ضد شخصيةمحددة وترك الاخرين.
اختزل الاجابة عن ذلك دون القصد الدفاع عن احد او اتهام الاخرين : يتمثل كل ذلك حاليا بتزايد شعبيةالحلبوسي والتخوف من حزبه انتخابياً وسياسياً بان يصبح الرمز السياسي الممثل للقوى الاجتماعيةالسنية وخروجه من دائرة نفوذ القوى السياسية الشيعية، اذ سابقا لم نشهد وجود أحزاب سياسية ناضجةومنظمة في المشهد السياسي السني، لأن ما كان قائم من كيانات هو في أفضل الأحوال تجمعات سياسيةزبائنية تتشكل حول شخصيات معينة وتبقى قائمة حسب علاقتها مع القوى السياسية الاخرى.
لهذا فإن قوة أي حزب أو كتلة سياسية سنية يجب ان تستند في بقاءها ووجودها وفقاً لذلك، خاصة بعد عام2014، اذ لم تعد هناك أي ملامح لهوية سياسية سنية، بعد أن تمكن الفاعل السياسي الشيعي من إنتاجطبقة سياسية سنية تعتمد بشكل كبير على دعمه لها، وبالتالي تستمد وجودها وديمومتها من علاقتها بهذاالفاعل لا مِن تمثيلها الحقيقي لمطالب المجتمعات السنية المحلية وتطلعاتها، خاصة ان منصب رئيس البرلمانمن حصة المكون السني وهذا الموقع يتأثر أكثر من غيره من المواقع الرئاسية بالتحولات في ميزان القوىالسياسي، وبالتالي يمكن الإطاحة به بسلاسة بخلاف موقعي رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء؛ولهذا تستغل باقي القوى السياسية نقطة الضعف تلك للضغط على من يرأسه وتستطيع من خلال ذلك اغراءاو ارغام من يصل او يطمح اليه من خلال الاساليب المذكورة اعلاه.
أنّ صعود الحلبوسي غير هذه المعادلة وفرض هيمنته على السياسة السنية في العراق فمثلت تحدياً كبيراًللفاعلين السياسيين الشيعة الذين يسعون إلى تحجيمه وإضعافه، فهم يفضلون التعامل مع مشهد سياسيسني منقسم ومشرذم، ومنع ظهور قوة سياسية سنية موحدة، والاستفادة من هيمنة الطابع الزبائني علىسلوك الفاعلين السياسيين السنة، لإعادة تشكيل المشهد السياسي السني بما ينسجم مع مصالح الطرفالسياسي الشيعي.
هذا المشهد التصعيدي ضد الحلبوسي سيستمر من خلال التلويح بالإقالة من منصبه من دون أي خطواتحقيقية لتفعيلها من أجل مزيد من الضغط عليه، وإبقاءه في وضع قلق إلى حين انتخابات مجالسالمحافظات المقرر إجراؤها في ١٨–١٢–٢٠٢٣، وفي المقابل يتم دعم القوى السنية المناوئة له في الانتخاباتالمقبلة، وانتظار نتائج تلك الانتخابات لتكون هي الفيصل في استمراره في منصبه من عدمه وفقاً لماسيحصل عليه “حزب تقدم” والقوى السنية المناوئة له، والتركيز سيكون على الانبار ، وماحدث في اثارةقضايا فساد اغلبها تخص الانبار، لان خسارة الحلبوسي فيها ستكون ضربة قاضية لوضعه ورمزيتهالسياسية.
هذا هو اساس الانتقائية في استخدام ورقة التسقيط السياسي والابتزاز الاعلامي بشكل عام في عراقمابعد ٢٠٠٣، بعيداً عن مصداقية مايطرح من اتهامات وقضايا وبعيدا عن شخصنة هذا الواقع من عدمه.و