بقلم د:عادل جعفر / استشاري الطب النفسي
ابدا المقال بمثل “أواعدك بالوعد واسگيك يا كمون“!!
الكمون (بالإنكليزية: Cumin) ، اسمه العلمي Cuminum cyminum ينتمي للفصيلة الخيمية، وهو نباتعشبي حولي محدود النمو يصل ارتفاعه إلى 30-40 سم.
والكمون من النباتات التي تحتاج إلى قليل من السقي، وكان الفلاحون يتجاوزونه عند سقيهم لمزروعاتهم.
تزعم الحكاية أن الكمون أحتج و طالب بالعدالة و مساواته بباقي المزروعات وكان الفلاحون يعدونه خيراً، إلاأنهم كانوا ينكثون بالوعد دائماً.
فصار هذا المثل (أواعدك بالوعد واسگيك يا كمون)!!
قال الشاعر:
لا تجعلوني ككمون ٍ بمزرعة ٍ إن فاتهُ السقي أغنتهُ المواعيدُ.
نردد هذا المثل كثيرا عندنا في العراق و قصته حول رجل اسمه * كمون *، اذ تقول القصة…
أنه كانت هناك قرية صغيرة ، يعيش فيها لقمان الحكيم في طرف ، وفي الطرف الآخر منها يعيش حكيم آخريدعى كمون . وفي يوم من الأيام ذهب كمون إلى لقمان الحكيم وقال : اسمع لايجوز أن يكون في القريةالواحدة حكيمان ؛ فيجب على أحدنا أن يرحل ويبقى الأجدر ؛ فرد عليه لقمان الحكيم وماالحل برأيك ؟ فأجابكمون سأتحداك أمام جمع من الناس ، وليصنع كل منًا سماً يسقيه للآخر ، فمن استطاع أن يعالج نفسهوينقذها ، فهو الحكيم الأجدر في البقاء في هذه القرية ، فوافق لقمان الحكيم على اقتراح كمون . وفي يوممن الأيام وأمام جمع غفير من الناس ، صنع كمون سماً للقمان الحكيم ليسقيه إياه . حضر لقمان الحكيم إلىالساحة بعدما أوصى زوجته ، بأن تحضر له الحليب المغلي والماء المغلي ، ففعلت زوجة لقمان الحكيمماأمرها به زوجها . فقام لقمان وأمام جمعٍ من الناس ، بشرب السم الذي أعده كمون ، وبعد ذلك سارع عائداًإلى منزله ، وشرب الحليب المغلي وتقيأ السُّم ، وبعدها استحم بالماء المغلي ، ورجع لقمان الحكيم إلىالساحة ، التي تجمهر بها الناس ليروا ماجرى له ، وليثبت لهم بأن سُّم كمون لم يتمكن منه .. عندها قاللقمان لكمون أمام الناس : سأصنع لك سُّماً لن تستطيع أن تنقذ نفسك منه ، ولكن أمهلني ( 40 يوماً ) وهيمدة التحضير ، فوافق كمون . عندها قام لقمان الحكيم بشراء مطحنة يدوية كبيرة ، وذهب إلى بيته وبدأ فيكل يوم يدق بالمطحنة اليدوية ، حتى كان صوت رنينها يصل إلى أسماع أهل القرية ، وتملك الفضول كمون .. من صوت المطحنة الصادر من بيت لقمان ، وبدأ كل يوم يمر بجانب بيت لقمان فيسمع صوت المطحنة ، وهناأحس كمون بالقلق وماهو نوع السُّم الذي يصنعه له ؟؟ وبعد مرور ( 40 يوما ) تجمهر الناس في الساحة ،ليشاهدوا مفعول السُّم الذي صنعه لقمان الحكيم ، وعندما حضر كمون لتناول السم كان متعبا ، هزيل البدنجاحظ العينين ، مستسلم تماما للموت ، فاقدا رغبته في الحياة بعد ما تمكن الخوف منه فتناول قدح السممن يدي لقمان .. وعند أول رشفة توفي كمون فورا !! عند ذلك تعجب الناس من قوة السُّم ، وتساءلوا عنسرعة مفعوله ، فأجابهم لقمان قائلاً : أنا لم أضع سماً لأن هذا حرام .. وإن الذي شربه هو مجرد ماء!!! ! لكنالذي أماته هو * الإنتظار والخوف والقلق * الذي عاشه خلال 40 يوماً
اختيار لقمان لفترة اربعين يوم لم يكن اعتباطا
و ذلك لشهرة الرقم (40) عند الناس و اهمية هذا الرقم في اللاوعي و التراث لديهم و ثانيا ان هذه الاربعينيوما كانت كافية ان تجعل كمون يتخلى عن الحياة، فكان موته نفسياً بعد ما تخلى عقله عن الحياة و بعدما ظهر عليه الاستسلام . اربعون يوم من الصدمات النفسية المتتالية سببت له الموت النفسي، لانه حينهافقط اصبح موته الجسدي حلاً عقلانياً، اربعون يوما كانت كافية ليتخلى فيها عن الحياة و كانت كافيةلتظهر عليه علامات الانسحاب من الحياة كالتعب الذي اصابه والنحافة الشديدة التي نالت من جسده ، في الحقيقة هو جاء ميتا قبل ان يشرب الكمون.
و هكذا قادت نفسه البشرية المعقدة الى الموت المفاجئ الطبيعي بعد ما توقف جسده البشري عن العملاستجابة لرغبات النفس و العقل الذي اصبح لا حول و لا قوة.
ثقوا ايها الاحبة ان اشهر قتلة متسلسلين في التاريخ هم
الانتظار …. انتظار حدث سيء احتمال ان يحصل…. و كذلك الاستسلام ….. الجزع …الخوف والقلق…. الذين يولدون فقدان الرغبة في الحياة